المبحث الثالث
أحكام الفسخ و أثاره
المطلب الأول
أحكام الفسخ
أحكام الفسخ تعني أنه خيار متروك للدائن و المدين و يخضع للسلطة التقديرية للقاضي أو المحكم و ذلك وفقا لما يلي :
أولا : الدائن :
يعتبر طلب الفسخ جوازي بالنسبة للدائن معنى أن الحكم بالفسخ لا يصدر إلا إذا أخل المدين بالوفاء بالتزامه فلا جوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها و هو كذلك لأن الدائن في عقد التوريد يستطيع طلب مكنة الاستبدال بأن يحصل على شيء مماثل للمبيع على حساب المورد و أن يطالبه بالفرق بين الثمن المتفق عليه و ما دفعه بحسن نية الحصول على ذلك الشيء و لو طلب إنقاص الثمن إذا كان هناك نقص في الشيء المبيع لا يرقى إلى مرتبة عدم صلاحية المبيع للغرض الذي أعد له و قد يستطيع الدائن طلب التعويض بدلا من فسخ عقد البيع , و يجوز للدائن إذا أقام دعوى الفسخ أن يعدل طلباته و لو أمام محكمة الاستئناف إلى طلب التنفيذ ( فقد تعود للمدين القدرة على الوفاء بالالتزام " إلا أن الذي ينهي هذا الخيار هو صدور حكم نهائي في دعوى التنفيذ أو في دعوى الفسخ 0
ثانيا : المدين :
يعتبر الفسخ جوازي أيضا للمدين و ليس معنى ذلك أن المدين الذي أخل بالتزامه يستطيع طلبه و إنما معناه أن المدين المقامة ضده دعوى الفسخ يستطيع أن يتوقى حكم بالقيام تنفيذ التزامه قبل القضاء بالفسخ بحكم نهائي
لذلك فلا يجوز طلب الفسخ من جانبه هذا هو حكم القواعد العامة في القانون المدني إلا أن المشرع في عقد التوريد في قانون التجارة الجديد خول للمدين حق إنهاء عقد التوريد بالفسخ إذا لم يتفق على أجل للتوريد فنص بالمادة 116/3 على ما يلي : " إذا لم يتفق على أجل للتوريد جاز لكل من الطرفين إنهاء العقد في أي وقت بشرط إخطار الطرف الآخر بميعاد مناسب "
و يعتبر هذا النص خروجا على القواعد العامة في القانون المدن التي لا تجيز للمدين طلب الفسخ إلا في حالة استحالة التنفيذ بسبب لا يرجع إليه كما يعتبر أيضا خروج على القواعد العامة في البيوع التجارية المقررة بمقتضى المادة 93/1 و التي تستلزم بأن " إذا لم يحدد ميعاد التسليم وجب أن يتم التسليم بمجرد العقد ما لم تستلزم طبيعة المبيع أو يقضي العرف بتحديد ميعاد أخر "
فمن جماع ما تقدم يبين أن المشرع \في قانون التجارة قد منح المدين مكنة إنهاء العقد حتى في حالة إخلاله بالالتزام و لكن في صورة واحدة هي عدم حالة عدم الاتفاق على أجل التوريد 0
ثالثا : سلطة القاضي :
في حالة افسخ الاتفاقي و الذي يقام بشأنه دعوى أمام القضاء بالرغم من اعتبار العقد مفسوخا من تلقاء ذاته بموجب الاتفاق فإن هذا الشرط يسلب القاضي كل سلطة تقديرية في صدد الفسخ إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر شروط الفسخ الاتفاقي فإذا صدر الحكم فإنه في هذه الحالة يكون حكما مقررا
أما في حالة الفسخ القضائي الذي يقع بناء على طلب الدائن فإنه يعتبر حكما منشئا لأنه ينشئ مركزا جديدا يتضمن تغييرا في المراكز القانونية لأطراف العقد و هو كذلك لأنه يحتج به في مواجهة الكافة 0
و في ظل افسخ القضائي يكون للقاضي سلطة تقديرية بمعنى أن له حق التقدير فيما إذا كان يقضي بفسخ البيع أو لا يقضي به فإذا طلب الدائن في عقد التوريد فسخ عقد التوريد بالنسبة لأحد التوريدات , فإن للقاضي سلطة تقديرية لإجابة الدائن في طلبه بالفسخ أو عدم إجابته فالقاضي قد يرى أن ما لم يقم المدين بالوفاء به قليل الأهمية بالنسبة للالتزام في جملته و حينئذ يقضي بإنقاص الثمن و هذا ما انتهى إليه المشرع المصري في قانون التجارة حيث نصت المادة 105 بشأن البيع بالتقسيط بأن " إذا لم يدفع المشتري أحد أقساط الثمن المتفق عليه فلا يجوز الحم بفسخ البيع إذا تبين أنه قام بتنفيذ 75 % من التزاماته " و يمكن أن يطبق حكم هذا النص على عقد التوريد إذا كان الإخلال بالالتزام قليل الأهمية بالنسبة للالتزام في جملته و هذا أيضا حكم القواعد في القانون المدني , و كذلك يكون للقاضي سلطة تقديرية خاصة في حالة عدم بلوغ الإخلال بالتنفيذ قدرا كبيرا من الأهمية مثال ذلك في حالة النقض أو عم المطابقة التي لا ترقى إلى عدم صلاحية المبيع فد يكون النقض ما يجوز التسامح فيه استنادا إلى العرف التجاري و د تكون عدم المطابقة مما لا يضر بالغية التي تغياها المتعاقد من إبرام العقد
كذلك يكون للقاضي سلطة تقدير تحقق الضرر الجسيم الذي اشترطه المشرع بنص المادة 117 لفسخ عقد التوريد من عدمه فقد يدعي طالب الفسخ بتحقق ضرر جسيم قد أصابه من جراء إخلال المدين بالوفاء بالتزامه و قد يرى القاضي غير ذلك فلا يقضي بالفسخ , و قد يدعي طالب الفسخ إخلال المدين بالتزامه ينبئ بانهيار مركزه المالي و قد لا يرى القاضي ذلك من تقدير لظروف و ملابسات و وقائع النزاع و بحث المركز المالي للمدين أو عندما يقدم المدين ما يفيد كذب ادعاء الدائن 0
كذلك يكون للقاضي سلطة تقديرية في أن يمنح المدين مهلة للتنفيذ إذا اقتضت الظروف ذلك فهذه سلطة جوازية للقاضي بهدف تمكن المدين من التنفيذ العيني أو إزالة أثر الإخلال , و هذا ما انتهى إليه المشرع المصري في قانون التجارة الجديد حيث نصت المادة 59 تجاري بأنه " لا يجوز للمحكمة منح المدين بالتزام تجاري مهلة للوفاء به أو تقسيطه إلا عند الضرورة و بشرط عدم إلحاق ضرر جسيم بالدائن "
ورد بمؤلف د / سيف الدين البلغاوي : جزاء عدم التنفيذ في العقود الملزمة للجانبين رسالة دكتوراه سنة 1982 جامعة القاهرة فكل هذه الأحوال تعطي القاضي سلطة في القضاء بفسخ عقد التوريد أو عدم القضاء بفسخه المطلب الثاني
آثار الفسخ في عقد التوريد
باستقراء الأحكام العامة و لخاصة بالبيع التجاري الواردة بقانون التجارة لم نجد ما يفيد نصوص تتناول الآثار التي تترتب على فسخ عقد البيع التجار , و من ثم فإن القواعد العامة في القانون المني هي التي تحدد هذه الآثار 0
فوفقا للقواعد العامة إذا انحل العقد بسبب الفسخ أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عها قبل التعاقد فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض - المادة 160 مدني
و انحلال العقد أثر يترتب على نوعي افسخ سواء كان قضائيا أو اتفاقيا و على ذلك و وفقا للمستقر عليه فقها و قضاء تكون آثار الفسخ هي :
انحلال العقد بأثر رجعي , الالتزام بالرد , و التعويض
فهل هذه الآثار تترتب على العقد الزمني دوري التنفيذ كعقد التوريد هذا ما سوف نتبينه في تناولنا لهذه الآثار 0
أولا : انحلال العقد :
إذا انحل العقد بسبب زال كل نما أنتجه من أثر في الماضي و امتنع أن تكون له أي أثار في المستقبل إلا أن الأمر يختلف في عقد التوريد فإذا فسخ فإن الأثر الرجعي للالتزامات التعاقدية لا تنطبق عليه , لأن الالتزامات الناشئة عن عقد التوريد يعتبر كل منها قائما بذاته و مستقلا عن الآخر ففي ظل هذا العقد يكون للدائن حقوق تعدد بقدر عدد أفعال تعدم التنفيذ لأن التوريدات وإن تشابهت في المضمون فتختلف فيما بينها من حيث الزمن و م ثم وجب تقدير الضرر بالنسبة لكل التزام على حدة 0
و في ذلك يرى بعض الفقه أن أسباب المسئولية تتغير بحسب تكييف نية المدين عند كل عام بالنسبة للتوريدات فقد يحدث ألا ينفذ المدين أحد التوريدات غشا و الأخرى إهمالا و عندئذ ليس ثمة ما يمنع أن يكون المدين مسئولا عن الغش عن أحد التوريدات و عن الإهمال بشأن الآخر الأمر الذي يبين منه أن عقد التوريد يستعصي بطبيعته على فكرة الأثر الرجعي لأن الزمن عنصر من عناصر المحل الذي تنعقد عليه العقد الزمني متى انقضى فلا سبيل إلى رده و أن ما أنتجه العقد قبل فسخه يظل قائما لذلك فإن عقد التوريد لا يرد عله الانحلال و إنما يرد عليه الإنهاء إذ أنم الأسباب التي تؤدي إلى انحلال العقود الأخرى لا تقوى على أن تحل عقد التوريد كعقد زمني و من ثم تترتب أثار الفسخ من وقت وقوعه سواء بموجب حكم نهائي أو من وقت تحقق الشرط الفاسخ الصريح و تبقى المدة السابقة محكومة العقد و محتفظة بآثارها 0
ثانيا الالتزام بالرد :
الالتزام بالرد هو نتيجة القضاء بفسخ عقد التوريد فهو حق كل من طرفي العقد المورد و طالب التوريد في استرداد ما يكون قد أداه بموجب العقد , فإذا سلم المورد البضاعة محل دفعه عقد التوريد و تخلف طالب التوريد عن أداء الثمن في ميعاده فـأعلن المورد الفسخ و قضى به أصبح من حقه استرداد البضاعة المسلمة و بالمثل إذا أدى طالب التوريد الثمن و تخلف المورد عن تسليم البضاعة في الميعاد أو كانت البضاعة غير مطابقة أو قضى بالفسخ كان نحق طالب التوريد استرداد الثمن الذي أداه و ملحقاته تنفيذ الرد من الجانبين في وقت واحد استنادا لنظرية رد غير المستحق كما يستحق لكل منهما حس ما يجب رده حتى يسترد ما يستحق قبضه 0
و إذا استحال على طالب التوريد رد البضاعة فإن التزامه بالرد لا ينفذ إلا بطريق التعويض 0
ثالثا : التعويض :
لا يكون التعويض إلا لجبر ضرر أحاق بالدائن من جراء فعل المدين و دائما يقترن طلب الفسخ المطالبة بالتعويض فلا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها , و إنما يجب أن يطلبه المدعي في دعوى الفسخ و التعويض يكون مقابل ما لحق الدائن من تلقاء نفسها , و إنما يجب أن يطلبه المدعي في دعوى الفسخ , و التعويض يكون مقابل ما لحق الدائن طالب الفسخ خسارة و ما فاته من كسب و قد حددت المادة 117 تجاري للقاضي بالفسخ للإخلال بالالتزام إحداث ضرر جسيم بالدائن طالب الفسخ و عندئذ لابد أن يكون مقدار التعويض مساويا و متكافئا مع الضرر الجسيم الذي لحق به من جراء إخلال المدين بالتنفيذ و قد قضت محكمة النقض بأنه " يشترط لاستحقاق التعويض عن عدم التنفيذ أو التأخير في تنفيذه وجود خطأ من المدين "
خاتمة البحث
خاتمة البحث ليست تلخيص لما ورد فيه و لكنها إبراز لأهم النتائج التي أمكن التوصل إليها
و المقترحات التي من شأنها المساهمة في بيان القصور الذي اعترى بعض النصوص و ذلك وفقا لما يلي :
أولا: تين لنا أن المشرع في قانون التجارة ضيق من استعمال حق الفسخ فوفقا للقواعد العامة المتعلقة بالعقود التجارية يجوز لطالب التوريد بدلا من طلب الفسخ لإخلال المورد بالتسليم استعمال مكنة الاستبدال استنادا لنص المادة 96 تجاري , بأن يحصل على شيء مماثل للمبيع على حساب المورد , كما يجوز لطالب التوريد إنقاص الثمن في حالة وجود نقص أو عيب أو عدم مطابقة و ذلك استنادا لنص المادة 101 تجاري 0
ثانيا : أورد المسرع بنص المادة 116/3 تجارة ما يعد خروجا على القواعد العامة في القانون التجاري و القواعد العامة في القانون المدني بأن خول المدين حق طلب الفسخ في حالة عدم الاتفاق على أجل التوريد 0
ثالثا : استحدث المشرع ضم نصوص عقد التوريد الأول مرة حق طلب الفسخ المبتسر فخول الدائن مكنة طلب افسخ و إذا أخل المدين بتنفيذ أحد التوريدات إذا كان الإخلال ينبئ عن انهيار المركز المالي للمدين
رابعا : أعلى قانون التجارة من شأن الإرادة فقدم أحكام الاتفاق بين المتعاقدين على القانون أحكام بمقتضى نص المادة الثانية تجار فيجوز أن يتفق الطرفان على ما يخالف أحكام قانون التجارة بشرط ألا يخالف النظام العم
خامسا : ألقينا الضوء من جانبنا استنادا لرؤيتنا الخاصة و انتهينا إلى ما يلي :
1- استبدال مصطلح المورد إليه بمصطلح طالب التوريد 0
2- وضع تعريف للفسخ المبتسر 0
3- وضع عدة شروط لطلب المبتسر 0
4- تعديل ص المادة 117 التي تتناول أسباب طلب فسخ عقود التوريد إلى ما يلي :
" إذا أخل أحد الطرفين عن تنفيذ التزامه بشأن أحد التوريدات الدورية فلا يجوز للطرف الآخر فسخ العقد إلا إذا كان التخلف عن التنفيذ يشكل مخالفة جوهرية للعقد ينشأ إحداث ضرر جسيم له 00000 "
و نهدف من هذه الرؤية الحد من استعمال حق الفسخ و هي الغاية التي يتغياها المشرع من أجل استقرار المعاملات التجارية 0
و أخير فإننا لا ندعي بهذا البحث أنه سيفصل قولا أو يصلح عيبا أو يكمل نقصا و إنما هي محاولة من جانبنا لإلقاء الضوء على بعض نصوص قانون التجارة استنادا إلى رؤيتنا الخاصة 0
المصدر : مجلة المحاماة - العدد الثاني - سنة 2002
توقيع : mr mohamed zakaria |
|