تحريك دعوى الزنا وفقا للقانون المصرى
=========================
تمهيد وتقسيم :
يعنى تحريك الدعوى الجنائية بصفة عامة اتخاذ إجراء ينقلها من حال السكون الذي كانت عليه عند نشأتها إلي حال الحركة بأن يدخلها في حوزة السلطات المختصة باتخاذ إجراءاتها التالية (1)
والأصل أن النيابة العامة وحدها هي التي تملك تحريك الدعوى الجنائية ، حيث نصت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية على أن " تختص النيابة العامة وحدها دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها الا في الأحوال المبينة في القانون "
ومع ذلك فانه يرد على هذه القاعدة استثنائين هامين هما انه قد ترد بعض القيود على سلطة النيابة العامة التقديرية في رفع الدعوى الجنائية ، وان ثمة جهات أخري نص عليها القانون يجوز لها رفع الدعوى الجنائية ، والذي يهمنا الآن دراسة تلك القيود التي ترد على النيابة العامة في رفع دعوى الزنا.
والقيود التي ترد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية هي تلك الجرائم التي لا يجوز تحريكها الا على شكوى أو اذن أو طلب.
ونصت المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية على انه " لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو من وكيله الخاص الى النيابة العامة أو الى أحد مأموري الضبط القضائي فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد، 274 ، 277 من قانون العقوبات وكذلك فى الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون .
ولا تقل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على غير ذلك ".
والمادة 274 عقوبات خاصة بجريمة زنا الزوجة ، والمادة 277 فهى خاصة بجريمة زنا الزوج ، فلا يجوز رفع الدعوى العمومية عن جريمة الزنا بنوعيها الا إذا قدمت شكوى من قبل الزوج ضد زوجه الزانى.
هذا ويقتضى الأمر في دراسة تحريك دعوى الزنا التعرض إلي الشروط الواجب توافرها في الشكوى ، ثم إلي آثار تقديم الشكوى ، وأخيرا إلي انقضاء الحق في الشكوى ، وذلك كله في فروع ثلاثة متوالية.
الفرع الاول
الشروط الواجب توافرها في الشكوى
بيان الشروط الواجب توافرها في الشكوى : ــ
يجب أن نقول أولا أن ثمة فارق بين الشكوى والبلاغ ، فالبلاغ هو التقرير الذي يصدر عن أي شخص بحدوث واقعة إجرامية ذات أهمية قانونية ، اما الشكوى فهى تلك التي تصدر من المجني عليه فقط ، فهو صاحب المصلحة في اتخاذ الإجراءات القانونية المترتبة على الواقعة الإجرامية ذات الأهمية القانونية.
ويشترط في الشكوى لكي تصبح سببا لتحريك النيابة العامة دعوى الزنا أن يتوافر فيها شروط وهى : ــ
(1) صدور الشكوى من الزوج المجني عليه أو وكيله للزوج الزانى.
(2) إعلان الزوج الشاكي رغبته في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد زوجه الزانى.
(3) تقديم الشكوى إلي الجهة المختصة.
الشرط الأول : ــ
يشترط في الشكوى المقدمة لتحريك دعوى الزنا أن تكون صادرة كما حددت المادة الثالثة إجراءات جنائية من المجني عليه أو من وكيله الخاص.
وإذا كان المجني عليه هو صاحب الحق الذي يحميه القانون بنص التجريم ، ووقع الفعل الإجرامي عدوانا مباشرا (1) ، فلا شك أن الزوج هو صاحب الحق أولا وأخيرا ، وبالتالي فليس للأبناء تقديم الشكوى ضد أي من والديهم لارتكابهما الزنا ، ولا للآباء تقديم تلك الشكوى ضد أبنائهم المتزوجين المقترفين لواقعة الزنا ، فلا يملك تقديم هذه الشكوى الا شخص وحيد فقط ، الا وهو الزوج المجني عليه.
ونرى انه إذا تعددت زوجات المشكو في حقه ، جاز لأي زوجة تقديم الشكوى ، وتحرك دعوى الزنا بناء على شكواها ، حتى وان كانت باقي الزوجات قد رفضن تقديم هذه الشكوى ، ونرى أيضا انه إذا كان ثمة بلد يبيح تعدد الأزواج ، جاز تقديم الشكوى من أي زوج من الأزواج.
وجوب قيام الزوجية وقت تقديم الشكوى : ــ
ويجب أن تكون علاقة الزوجية قائمة وقت تقديم الشكوى ، فإذا انحل الزواج بالطلاق عقب ارتكاب الواقعة المؤثمة فقد الزوج حقه في تقديم الشكوى (2).
على انه يجب أن نفرق في هذا الصدد بين ما إذا كان الطلاق رجعيا أو بائنا ، ويستوى هنا أن يكون الطلاق بائنا بينونة كبرى أو صغرى.
فإذا كان الطلاق رجعيا فان علاقة الزوجية تكون موجودة ، إذ يملك الزوج حق مراجعتها في أي وقت خلال فترة العدة دون عقد أو مهر جديدين ، وبالتالي يجوز لأي من الزوجين تقديم الشكوى ضد زوجه مادام الطلاق مازال رجعيا.
اما إذا كان الطلاق بائنا فحينئذ يعتبر الزوج هنا غريبا عن زوجه ولا يستطيع أن يعاشره الا بعقد ومهر جديدين ، وبالتالي فهو لا يملك حق تقديم الشكوى.
ولكن ماذا إذا كان الطلاق بائنا ثم تمت العلاقة بينهما مرة أخري بعقد ومهر جديدين ، فهل يملك الزوج المجني عليه في هذه الحالة تقديم الشكوى ؟
نرى أن الزوج يملك حق تقديم الشكوى في هذه الحالة ، وذلك على أساس أن جريمة الزنا فضلا عن أنها شرعت حفاظا على مشاعر كل زوج نحو زوجه فإنها جريمة اجتماعية ، وقد لا يعلم الزوج عن قيام زوجه بالزنا الا بعد معاشرته له اثناء الزواج الثاني الحاصل بعد طلاق بائن ، وهنا لا يمكن أن نحجر على هذا الزوج أن يثأر لشرفه المثلوم وكرامته التي يحميها القانون له.
فحق الزوج هنا في تقديم الشكوى مكفول بشرط أن تكون واقعة الزنا قد حدثت خلال فترة الزوجية السابقة أو الطلاق الرجعى وان تكون المواعيد الإجرائية التي يتطلبها القانون مازالت مفتوحة ولم تسقط بمضي المدة المحددة قانونا.
ونرى أيضا انه يأخذ حكم الطلاق البائن التطليق الذي يصدر بحكم من القاضي .
تقديم الشكوى من الوكيل : ــ
وإذا كان زوج المشكو في حقه هو وحده الذي يملك تقديم الشكوى ضد زوجه الزانى ، فقد نصت المادة الثالثة إجراءات كما سبق على جواز تقديم تلك الشكوى من الوكيل الخاص للمجني عليه..
ويلاحظ أن الوكالة إما أنها وكالة قانونية ، بمعنى أن القانون هو الذي ينص عليها وينظم أحكامها ، وإما أن تكون وكالة اتفاقية..
الوكالة القانونية : ــ
فإذا كان الزوج غير أهل للشكوى كأن يكون صغيرا لم يبلغ من العمر الخامسة عشر كاملة ، أو كان مصابا بجنون ، فان الشكوى لا يجوز تقديمها الا من ولى هذا الزوج (3)
وهذا النوع من الوكالة هو عبارة عن وكالة قانونية ، فلا يجوز لغير ولى الزوج المجني عليه في جريمة الزنا تقديم هذه الشكوى..
ونرى انه من حق الزوج القاصر أو المصاب بعاهة في عقله أن يقدم الشكوى في دعوى الزنا بشرط أن يبلغ من العمر خمسة عشر عاما كاملة على الاقل ، وإذا كان مصابا بعاهة عقلية أن يبرأ منها ، ولكن هذا الشرط معلق على أن تكون المدة المحددة لم تسقط بعد باعتبار انه كان له من يمثله خلال الفترة التي مضت من المدة القانونية (4)..
ونشير هنا إلي أن الولي الشرعي للزوج المجني عليه في جريمة الزنا والذي يملك حق تقديم الشكوى في دعوى الزنا قد تتعارض مصلحته في تقديم الشكوى مع مصلحة الزوج المنى عليه ، ولذلك كان لابد من وضع حل لهذا الأمر ، وقد تكفلت المادة السادسة من قانون الإجراءات الجنائية بوضع ذلك الحل بنصها على انه " إذا تعارضت مصلحة المجني عليه مع مصلحة من يمثله أو لم يكن له من يمثله تقوم النيابة العامة مقامة "..
الوكالة الاتفاقية : ــ
هذا بالنسبة للوكالة القانونية ، اما إذا كانت الوكالة اتفاقية ، وهى تلك التي يعين الزوج المجني عليه في جريمة الزنا شخصا آخر في تقديم الشكوى نيابة عنه إلي الجهة المختصة قانونا ، فيجب أن يكون هذا التوكيل توكيلا خاصا فيحدد له حقه في تقديم الشكوى نيابة عنه ضد زوجه الذي خان معه الحياة الزوجية وشريكه الذي قام معه بالزنا ، ولا يتعدى هذه الواقعة إلي واقعات أخري حتى ولو كانت على اتصال كبير بالواقعة محل الزنا.
وأمام صراحة نص المادة السادسة من قانون الإجراءات الجنائية فانه لا يجوز أن يكون التوكيل في تقديم الشكوى لتحريك دعوى الزنا توكيلا عاما ، بل يجب أن يكون التوكيل توكيلا خاصا.
ويستوى في نظرنا أن يكون التوكيل الخاص رسميا أو عرفيا ، فلا يجب التشدد فنشترط أن يكون التوكيل موثقا رسميا ، ذلك أن المشرع لم يشر إلي الرسمية من قريب أو بعيد ، وكل ما اشترطه أن يكون التوكيل خاصا فقط لا غير.
ولا يجوز أن يصدر التوكيل الخاص لتحريك دعوى الزنا عن جريمة لم تحدث بعد ، فيجب أن تكون الواقعة قد تمت فعلا قبل إصدار التوكيل الخاص.
وهناك مسالة أخري محل بحث ، فالزوج الذي اصدر توكيلا خاصا لتحريك دعوى الزنا ولم يكن يعلم أن زوجه قد خان العلاقة الزوجية ولكنه اصدر هذا التوكيل لتحريك الدعوى عن جريمة زنا قد تحدث مستقبلا ، فهل يعتبر هذا التوكيل صحيحا ويجوز للوكيل تقديم الشكوى بموجبـه أم لا ؟
الحقيقة انه لا يمكن إنكار أن جريمة الزنا قد وقعت قبل إصدار التوكيل وبالتالي يكون التوكيل اللاحق عليها مستقبلا صحيحا ومنتجا كافة الآثار المترتبة عليه ، ولذلك فانه بناء على هذا القول أن نصرح انه لا غبار على الوكيل أن هو قدم الشكوى بناء على هذا التوكيل.
بيد انه من ناحية أخري لا يمكننا التسليم بإجازة تقديم الشكوى من الوكيل بناء على هذا التوكيل خاصة وان الزوج علم أن واقعة الزنا تمت قبل إصدار هذا التوكيل ، والا فلو أصر الزوج على تقديم الشكوى من الوكيل بناء على التوكيل الذي أصدره له لكان سيئ النية ووجب رد سوء نيته إلي نحره ، وكل ما للزوج أن يفعله هو أحد أمرين ، فإما أن يقدم شكوى بنفسه ، وإما أن يصدر توكيلا خاصا آخر لتحريك الدعوى في هذه الجريمة ، وذلك كله إذا كان يرغب في تقديم زوجه إلي الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة..
آراء الفقه في اشتراط الزوجية لصحة الشكوى : ــ
قلنا فيما سبق انه يجب أن تقوم علاقة الزوجية كشرط أساسي لتقديم الشكوى ، ولذلك فانه قد يقوم الزوج الجاني درءا لتحريك دعوى الزنا قبله بتقديم شكوى مكن زوجه المجني عليه ، فإنا نراه يقوم بتطليق زوجته ، أو تطلق الزوجة الزانية نفسها من زوجها إذا كانت العصمة بيدها وحكمت لها المحكمة بالتطليق ، وبالتالي فلا يستطيع الزوج المجني عليه تقديم شكواه في دعوى الزنا ، ونفس الحال كذلك بالنسبة للتطليق ، وهنا لا يجوز للزوج تقديم الشكوى ضد زوجته..
ولا شك أن اشتراط قيام العلاقة الزوجية قد يلحق ضررا بالغا بالنسبة للزوجة المسلمة التي يستطيع زوجها أن يطلقها في أي وقت (5).
ولا شك أن الزوج الذي يحاول درء اتهام الزنا عن نفسه بسقوط حق زوجه في الشكوى عن طريق الطلاق أو التطليق بالنسبة للمرأة ، يعتبر زوجا قاسيا معدوم الإنسانية لا يستحق شفقة ولا رحمة ، خاصة وانه قد تترتب على الطلاق آثار لا تحمد عقباها وبالذات إذا وضعنا فى الحسبان أن الزوج المجني عليه الذي طلق كان على خلق حسن ، أمين على حياته الزوجية ، وان الطلاق جاء نتيجة التعسف في استعمال الحق ، ففي هذه الحالة كيف يمكننا أن نسقط حق الزوج المجني عليه من الشكوى خاصة وان الزوج الثاني قد تذرع بالطلاق وهو ابغض الحلال عند الله عز وجل ؟
ولذلك فانه قد ذهب البعض إلي أن حصول الطلاق بعد الجريمة لا يحرم الزوج المجني عليه من حق الشكوى (6)
على انه في كل حال فنحن لا نملك الا الخضوع أمام نصوص المادتين 273 ، 277 عقوبات واللتين تشترطان تقديم الشكوى من الزوج أو الزوجة..
غير أننا نستطيع أن نوصى المشرع بتعديل هذه النصوص بحيث يتسنى تقديم الشكوى حتى بعد حصول الطلاق على أن يضع المشرع شروطا خاصة للحصول على هذا الحق الذي يبيح للزوج تقديم الشكوى ضد زوجه في دعوى الزنا..
مقام النيابة العامة مقام الزوج في تقديم الشكوى : ــ
قلنا انه لا يجوز تحريك دعوى الزنا الا بتقديم شكوى ، ولا يجوز تقديم هذه الشكوى الا من الزوج المجني عليه أو وكيله الخاص وفقا لما تقضى به المادة الثالثة إجراءات جنائية..
وقلنا انه إذا كان الزوج لم يبلغ الخامسة عشر من عمره أو كان مصابا بعاهة عقلية فان وليــــه الشرعي هو الذي يقوم مقامه في تقديم الشكوى.
ولكن من المتصور أن يكون الزوج غير ا أهل للشكوى لأي سبب من الأسباب ، وليس له من يمثله ، فمن الذي يستطيع تقديم الشكوى حينئذ ؟
تنص المادة السادسة من قانون الإجراءات الجنائية على انه " إذا تعارضت مصلحة المجني عليه مع مصلحة من يمثله أو لم يكن له من يمثله تقوم النيابة العامة مقامة "
ويتبين لنا من هذا النص أن النيابة العامة هي التي تقوم مقام الزوج إذا لم يكن له من يمثله قانونا ، وإذا لم يكن أهلا للشكوى..
ونعتقد انه في هذه الحالة يجوز للنيابة العامة تحريك دعوى الزنا ضد الزوج الزانى دون حاجة إلي صدور شكوى من الزوج المجني عليه ، إذ هي تقوم مقامه بقوة القانون ، على انه من ناحية أخري نرى انه يجوز للزوج وقد اصبح أهلا للشكوى أن يعلن عن رغبته في عدم محاكمة زوجه ، وهنا تقف إجراءات الدعوى وذلك كله طبقا للقواعد العامة في جرائم الشكوى والتي تقضى انه من حق من قدم شكوى أن يتنازل عنها في أي وقت إلي أن يصدر في الدعوى حكم نهائي وتنقضي الدعوى الجنائية بالتنازل..
ونرى أيضا انه إذا اصبح للزوج من يمثله ، فان هذا الأخير يستطيع أن يتنازل عن الشكوى فتوقف إجراءات الدعوى طالما لم يصبح الزوج أهلا للشكوى بعد..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د /نجيب حسنى - المرجع السابق _ بند 121 ص 122 والمرجع المشار إليه هـ 1
(2) نقض 6 مارس 1933 مجموعة القواعد القانونية ج 3 رقم 97 ص 148
(3) تنص المادة الخامسة فقرة أولي من قانون الإجراءات الجنائية على انه " إذا كان المجني عليه فى الجريمة لم يبلغ خمس عشرة سنة كاملة أو كان مصابا بعاهة فى عقله تقدم الشكوى ممن له الوصاية عليه "
(4) د /نجيب حسنى المرجع السابق بند 122 ص 124 والمرجع المشار إليه هـ 2
(5) د /إدوار الذهبى 0 المرجع السابق بند 24 ص 61
(6) د /إدوار الذهبى المرجع السابق ، ص 61 ، 62 والمرجع المشار إليه ص 60 هـ 2
الشرط الثانى : ــ
لا يكفى في الشكوى أن تكون صادرة من الزوج المجني عليه ، بل يجب فضلا عن ذلك أن تكون الشكوى صريحة ، والشكوى تكون صريحة إذا تضمنت رغبة الشاكي في اتخاذ الإجراءات القانونية في جريمة الزنا ضد زوجه..
فإذا تضمنت الشكوى مجرد ما حدث من زوج الشاكي ومن الأضرار التي قد أصابته نتيجة قدوم زوجه على اقتراف ذلك الفعل الآثم ولكنها خلت تماما من رغبة الزوج المجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية ضد زوجه ، فان الشكوى تعدو غير ذات قيمة قانونية ولا يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بناء عليها..
ولكننا نرى من ناحية أخري أن هذه الشكوى والتي لم تتضمن رغبة الزوج المجني عليه في اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد زوجه ، فإنها يمكن أن تغدو شكوى صحيحة وقانونية ويمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بناء عليها إذا اقدم الزوج الشاكي بعد ذلك بتقديم ما يفيد رغبته بتحريك الدعوى العمومية بناء على ما قدمه من الشكوى السابقة..
فهنا ورغم أن الشكوى قد تجزأت خاصة إذا كانت كتابية ، الا أنها قد حوت جوهر الشكوى وهو إعلان الرغبة في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المشكو في حقه..
من ناحية أخري فانه يستوي في الشكوى المقدمة من الزوج ضد زوجه الزانى أن تكون كتابية أو شفهية..
ونرى انه تصح الشكوى الكتابية التي لم تذيل برغبة الزوج في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد زوجه ثم أعلن بعد ذلك رغبته شفاهة في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد زوجه تأسيسا على ما جاء في شكواه الكتابية، وأيضا نرى أن العكس صحيح بشرط أن يثبت فعلا أن الزوج قد تقدم من قبل بشكوى شفهية..
هذا ، ويعد في حكم الشكوى الشفهية استغاثة المجني عليه من الجاني في حضور أحد مأموري الضبط القضائي (1)
على انه يجب أن تكون الشكوى منجزة ، أي غير معلقة على شرط ، فان تعلقت الشكوى على شرط بطلت وفقدت أثرها القانوني
لذلك فانه لا تصح شكوى قدمها زوج ضد زوجه الزانى ويطلب اتخاذ الإجراءات القانونية ضده ولكن بشرط إذا لم يقدم هذا الزوج اسفه واعتذاره ويبد الندم ويتعهد بعدم اقترافه لفعل الزنا بعد ذلك أبدا ، فمثل هذه الشكوى تكون غير ذي قيمة قانونية حتى وان تحقق هذا الشرط فعلا وقام هذا الزوج المشكو فيه بهذا الاعتذار والأسف..
وأخيرا فانه يستوي أي لغة تكتب بها الشكوى والصياغة التي تفرغ فيها تلك الكتابة (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د /رؤف عبيد مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري ط 14 س 82 ص 62
(2) د /نجيب حسنى المرجع السابق بند 125 ص 126
الشرط الثالث : ــ
ينبغي أخيرا أن توجه الشكوى إلي النيابة العامة أو إلي أحد مأموري الضبط القضائي ، فلا اثر قانوني لشكوى مقدمة للرئيس الإداري ، ولا اثر لشكوى مقدمة لقاضى في محكمة أحوال شخصية..
ولكن فانه وفقا لمبدأ عدم تجزئة النيابة العامة فانه ليس بشرط أن تقدم الشكوى إلي عضو النيابة المختص بالجريمة ، إذ أن هذا المبدأ يجعل الشكوى المقدمة إلي أي عضو من أعضاء النيابة العامة مقبولة شكلا (1)
ولكننا نرى انه يجب التفرقة بين كل من الاختصاص النوعي والمكاني وبين الاختصاص الزماني ، فنرى انه لا مانع من تقديم الشكوى إلي أي من أعضاء النيابة العامة وان لم يكن مختصا بالجريمة اختصاصا نوعيا أو مكانيا ، غير انه بالنسبة للاختصاص الزماني فان الشكوى تغدو غير ذي قيمة قانونية إذا قدمت إلي عضو نيابة غير مختص زمانيا ، كأن تقدم الشكوى إلي عضو نيابة قدم استقالته أو أنهي خدمته الوظيفية بالحصول على المعاش ، أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل عضو النيابة غير مختص زمانيا..
وإذا كان نص المادة الثالثة إجراءات جنائية قد أوجب تقديم الشكوى إلي النيابة العامة أو إلي أحد مأموري الضبط القضائي ، الا انه من المستقر فقها وقضاء أن الدعوى المدنية التي ترفع أمام القضاء الجنائى تعد بمثابة شكوى ، وبالتالي تحرك الشكوى ضد زوج المجني عليه ، اما إذا قدم الزوج دعواه أمام المحكمة المدنية فإنها لا تعد من قبيل الشكوى ولا تحرك الدعوى الجنائية بسببها..
ونرى أن دعوى الزنا تحرك بناء على الادعاء المباشر الذي يقيمه الزوج المجني عليه في جريمة الزنا حتى وان كانت المحكمة الجنائية غير مختصة بالفصل في الدعوى ، ذلك أن الزوج المجني عليه كان قد أعلن رغبته في تحريك الدعوى الجنائية..
وإذا كانت هذه هي القاعدة في عدم تقديم الشكوى الا إلي النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي ، الا أن المادة 39 من قانون الإجراءات الجنائية جاءت باستثناء هام على هذه القاعدة ونصت على انه " فيما عدا الأحوال المنصوص عليها في المادة 9 فقرة ثانيا من هذا القانون فانه إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى العمومية عنها على شكوى فلا يجوز القبض على المتهم الا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها ويجوز في هذه الحالة أن تكون الشكوى لمن يكون حاضرا من رجال السلطة "..
وقد أجاز المشرع هنا أن تقدم الشكوى إلي أي من رجال السلطة العامة بشرط أن تكون الجريمة في حالة تلبس وان تقدم الشكوى ممن يملك تقديمها قانونا ، وهو هنا الزوج المجني عليه في جريمة الزنا أو وكيله كما سبق القول (2) ، وان يكون رجل السلطة العامة حاضرا واقعة التلبس ، فإذا لم يكن حاضرا فلا تقدم الشكوى الا إلي النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي .
وإذا قدمت الشكوى إلي أحد رجال السلطة العامة في حالة التلبس بالزنا فإنها تنكون صحيحة إذا قدمت إلي النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي من باب أولي..
مدى حق الزوج الراضى بالزنا في الشكوى : ــ
إذا ثبت أن الزوج المجني عليه كان راضيا مقدما عن اقتراف زوجه الزنا ، فان البعض يرى أن هذا الرضاء ينشئ دفعا بعدم قبول شكواه (3)
وذهبت محكمة النقض إلي ما ذهب إليه البعض من الفقه وقررت انه " الجنحة التي تغياها المشرع من غل يد النيابة عن تحريك الدعوى الجنائية في جريمة الزنا وهى الحفاظ على مصلحة العائلة وسمعتها لا تقوم بعد لن ثبت للمحكمة أن ارتكاب المنكر مع الزوجة كان بعلم الزوج ورضاه بما يسقط حقه فيما فرضه الشارع لحمايته وعائلته " (4)
ويذهب البعض إلي أن رضاء الزوج فعلا بارتكاب زوجه المنكر لا يسلبه حق الشكوى ضد زوجه الزانى لان حقوق الزوجية ليست من الحقوق التي يجوز التنازل عنها لتعلقها بالنظام العام..
وفى نظرنا أن الزوج لا يرضى عن اقتراف زوجه المنكر الا لاحد سببين ، وهما أن يكون
هذا الرضاء لدرء آذى سيصيبه نتيجة تهديد أو إكراه ، وإما أن يكون الرضاء لجلب منفعة أو مصلحة له..
فاذا كان الرضاء صادرا لدرء أذى سيصيبه فاننا نرى أن الرضاء جاء نتيجة إرادة معيبة وانه رضى مضطرا ، وكان يتمنى لو أن واقعة الزنا لم تحدث قط ، وفى هذه الحالة نرى أن الزوج يحق له تقديم الشكوى خاصة وان كان زوجه الزانى كان راضيا بالزنا .
اما أن كان الرضاء صادرا نتيجة جلب منفعة أو مصلحة ، فاننا نرى انه لا يحق لهذا الزوج تقديم الشكوى لأنه لم يعد ذلك الزوج الذي وضع له المشرع نصوصا جنائية تحمى شرفه وكرامته من خيانة زوجه له ، ونحن نؤيد حكم القضاء الذي جاء فيه " أن جريمة الزنا هي في الحقيقة والواقع جريمة في حق الزوج المثلوم شرفه ، فاذا ثبت أن الزوج كان يسمح لزوجه بالزنا ، بل انه قد يبغى من ورائها العيش مما تكسبه زوجته من البغاء ، فان مثل هذا الزوج لا يصح أن يعتبر زوجا حقيقة ، بل هو زوج شكلي ، لأنه فرط في أهم حق من حقوقه وهو اختصاص الزوج بزوجته ، ومادام قد تنازل عن هذا الحق الأساسي المقرر أصلا لحفظ كيان العائلة وضبط النسب فلا يصح بعد ذلك أن يعترف به كزوج ولا يبقى له من الزوجية سوى ورقة عقد الزواج ، اما زوجته فتعتبر في حكم عدم الزوجة ، ولا يقبل منه كزوج محاكمة زوجته أو أحد شركائها إذا زنت ، والا كان هذا الحق متروكا لأهوائه يتخذه وسيلة لسلب أموال الزوجة وشركائها كلما عن له ذلك بواسطة تهديدهم بالفضيحة " (5)..
وعلى كل حال فنحن نذهب مع ما يذهب اليه البعض من وجوب تدخل المشرع لحل هذا الخلاف (6) ، ولكن ليس بما يراه هذا البعض بوضع نص مماثل لنص المادة 561 من قانون العقوبات الإيطالي ، ولكن بتحديد مدى جواز الزوج الذي يرضى مقدما بزنا زوجته في تقديم الشكوى ضد زوجته لاتخاذ أل إجراءات القانونية ضدها عما ارتكبته من منكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / نجيب حسنى المرجع السابق الاشارة السابقة..
(2) راجع ما سبق بند 33 وما بعدها
(3) د /إدوار الذهبى المرجع السابق ، ص الذهبى المرجع السابق بند 24 ص 63 والمرجع المشار إليه هـ 3
(4) نقض 15/11/1965 مجموعة أحكام النقض س 16 رقم28 ص 224 0
(5) محكمة مصر الابتدائية 9/3/1941 المحاماة س 20 رقم 436 ص 1039 0
(6) د 0 إدوار الذهبى 0 المرجع السابق ، ص 0 الذهبى 0 المرجع السابق ص 65
توقيع : mr mohamed zakaria |
|