يعتبر القانون أسمى نتاجا للفكر البشرى على مدى مراحل التطور التاريخي للإنسانية ، ذلك أن مضمون القانون هو تنظيم العلاقات الأساسية بين عناصر المجتمع وفقا لفلسفة تبلور تلك العلاقات على محاور متعددة هي الدولة ،السلطة الحاكمة ،الأفراد، أشخاص المجتمع الدولي وغيرها . ولهذا فان القانون الذي يشكل هذا النسق من الروابط يعد المعيار الحقيقي لمقدار التطور في مجتمع ما و حقبة زمنية معينة، فالقراءات التاريخية التي تخلو من نظرة على وضعية القوانين الحاكمة في تلك الفترة قراءات لا تسجل تحليلات حقيقية لواقع الحال الحادث آنذاك .
إلا انه من صعب بمكان الفصل بين القانون السائد في حقبة زمنية وعملية التطور الحادثة في المجتمعات وتحديد ما إذا كان القانون نتاج هذا التطور أم انه العامل الرئيسي فيه .
و هنا تبرز أهمية الوقوف على مراحل التطور التشريعي لاسيما في شأن أوجدته الإحداث التاريخية ذاتها مثل قانون الأحكام العسكرية الذي مر بعدة مراحل حتى وصل إلى التنظيم الذي أتى به القانون الحالي رقم 25 لسنة 1966 وتلك المراحل هي :-
"المرحلة الأولى: ما قبل 15 من أكتوبر سنة 1949 - و كان طابع اغلب التشريعات فيها نتاج تفكير أجنبي و لم يكن ذلك بغريب في دولة كانت تخضع لاحتلال أجنبي.
المرحلة الثانية : بدأت من 15 أكتوبر سنة 1949 - فبالرغم من تأثيرها بالاستقلال الظاهري ، و ما تبع ذلك من إلغاء المحاكم المختلطة و الإمتيازات الأجنبية – إلا أنها اكتست بالمسحة الأجنبية إذ اختار واضعوها نصوصا متفرقة من قوانين شتى معمول بها في عدة دول و جاهدوا أن يكون لها الطابع المصري بحيث لا تغضب السلطات الأجنبية .
المرحلة الثالثة : بدأت منذ 23 من يوليو سنة 1952 – و قد عبر الميثاق عن هذه الفترة في الباب الخامس منه بقوله : أن المفاهيم الثورية الجديدة للديمقراطية السليمة لابد لها أن تفرض نفسها على الحدود التي تؤثر في تكوين المواطن وفى مقدمتها التعليم والقوانين واللوائح الإدارية 000 كذلك فإن القوانين لابد أن تعاد صياغتها لتخدم العلاقات الاجتماعية الجديدة التي تقيمها الديمقراطية السليمة تعبيرا عن الديمقراطية الاجتماعية .
أما المرحلة الرابعة : والأخيرة بدأت منذ 14 من مايو سنة 1971 و مازالت مستمرة. فتلك التي نعيشها الآن والتي بدء فيها – بحق تقنين الكثير من التشريعات بعد تعديلها وصياغتها بالطابع المصري الأصيل ، فضلا عن تقاربها مع تشريعات الأمة العربية " .([4])
وإذا كنا بصدد تأريخ تفصيلي لصدور قوانين الأحكام العسكرية فى مصر نجد ان " تشريع الأحكام العسكرية الصادر بالأمر العالي بتاريخ 7 من يونيو سنة 1884 الملغى من القوانين ذات المصدر الأجنبي ويتعلق بتقرير الإجراءات التي اتخذتها المجالس العسكرية وأقرها السردار في شأن المحاكمات التي ترتبت على الثورة العرابية، حيث نص فيه صراحة على وجوب إتباع ما يجرى عليه الأمر في الجيش البريطاني أي جيش الاحتلال .
وفى عام 1893 جمعت هذه الأحكام التي تضمنها الأمر العالي سالف الذكر و ملحق به الإجراءات المتبعة في الجيش البريطاني و أطلق عليها اسم الأحكام العسكرية ثم أعيد طباعتها – فيما بعد – طبقا لما طرأ من تعديل على إجراءات الجيش البريطاني في عامي عام 1917 ، وفى عام 1939 و أخيرا في عام 1949 بغير تعديل إلا في أسماء الوحدات والوظائف .
و قد تضمن القانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بنظام الأحكام العرفية (م7) و القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بنظام هيئة الشرطة و اختصاصاتها (م37) – الملغى – ما يفيد إقراره طريقة تشكيل المجالس العسكرية و إجراءات التحقيق و المحاكمة الواردة بقانون الأحكام العسكرية بشأن أفراد هيئة الشرطة .
كما قضى القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة الشرطة الذي حل محل القانون رقم 140 لسنة 1944 في(المادة 136 ) منه بخضوع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوات نظامية و ضباط الصف و جنود الدرجة الأولى ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم لقانون الأحكام العسكرية . ثم صدر القانون رقم 101 لسنة 1957 في شأن المحاكمات الغيابية و القانون رقم 159 لسنة 1957 في شأن التماس أعادة النظر في قرارات و أحكام المجالس العسكرية . كما صدرت بعض التعديلات التي اقتضاها التنظيم الجديد للدولة و قواتها المسلحة نخص منها بالذكر أمر القائد العام للقوات المسلحة في أول من يوليو سنة 1953 بتغيير بعض مسميات في القانون .
ولما صدر قانون هيئة الشرطة رقم 61 لسنة 1964 ( الملغى) قضت المادة 132 منه بان" يخضع لقانون الأحكام العسكرية و القوانين المكملة له الضباط بالنسبة لإعمالهم المتعلقة بقيادة قوة نظامية و أمناء الشرطة والكونستابلات و المساعدين وضباط الصف و جنود الشرطة ورجال الخفر النظاميين في كل ما يتعلق بخدمتهم .
بينما قضت المادة 133 من ذات القانون رقم 61 لسنة 1964 الملغى بان "تشكل المجالس العسكرية بأمر من وزير الداخلية أو من ينوب عنه ويصدق على أحكامه الآمر بتشكيل وللمجالس العسكرية توقيع العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون أو العقوبات المنصـوص عليهـــــــــا في قـــــــــانون الأحكـــــام
العسكرية "([5])
وأخيرا أصدر المشرع المصري القانون الحالي رقم 25 لسنة1966 بشأن الأحكام العسكرية وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون ما يلي:
" طبق قانون الأحكام العسكرية القديم الصادر سنة 1893 على القوات المسلحة منذ كانت هذه القوات جزء من قوات الاحتلال أيام الاستعمار البغيض الذي قبض على أقدار الوطن أكثر من سبعين سنة .. وانتصرت الطليعة وانتصر الشعب ..
وكان احد مبادئ الثورة الخالدة هو إقامة جيش وطني قوى .. وقد استلزم تطور القوات المسلحة فى حجمها وتنظيمها تطور أجهزتها حتى تستطيع أن ترتفع إلى مستوى المسئولية الملقاة على عليها .. وقد شمل هذا التطور إعادة تنظيم القضاء العسكري على نحو تحقيق الغرض من التنظيم العام "
هذا وقد صدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن إصدار قانون هيئة الشرطة المعدل بالقانون رقم 23 لسنة 1994 ثم بالقانون رقم 20 لسنة 1998 – الذي قضى في المادة 99 منه بان يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية ، كما يخضع للقانون المذكور أمناء و مساعدو الشرطة وضباط الصف و الجنود المندوبين و رجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم (م94،99) و توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية .