. الجـلسة التمهيدية:
مراجعة برامج التلمذة الصناعية في بيئة الاتحاد الأوروبي

1- اختلفت التسميات وأضحى الأمر في حاجة إلى تفسير دقيق (يرد فيما بعد). نبدأ بعرض واقع الأمور : إن التعليم المهني (أو التعليم الفني) من المستوى الأول، أو بعبارة أخرى التدريب المهني الأساسي هو النمط المهيمن على الدورة الثانية من التعليم الثانوي في الدول الخمس عشر التي تكون الاتحاد الأوروبي. وعلى نقيض الفكرة الغالبة فإن عدد الطلبة الذين يتابعون التعليم المهني يفوق كثيرا أولئك الذين يتابعون التعليم العام. فهناك ما يقرب من 60 بالمائة من الطلبة (آخر الأرقام المعلومة هي أرقام 1993/1994) في الخمس عشرة دولة الأعضاء بالاتحاد الأوروبي كانوا يتابعون تعليما من المستوى الثالثISCED حسب معيار التصنيف التربوي الدولي (مستوى تعليم ثانوي يبدأ من سن 14-15 سنة) - بيد أن هذه النسبة تتفاوت بشكل ملحوظ بين بلد وآخر : حيث كان هناك ما يقارب 80 بالمائة من الطلبة المسجلين في الحلقة الثانية من التعليم الثانوي يتابعون تعليما مهنيا أو فنيا في ألمانيا أو النمسا ولا يختلف الأمر كثيرا في دول أخرى مثل السويد والدنـمارك وفنلندا. ليس الحال كذلك في دول جنوب الاتحاد الأوروبي حيث التعليم العام هو الغالب إذ تقل نسبة الطلبة المقيدين بالتعليم المهني عن 40 بالمائة في أسبانيا وتنخفض حتى تصل إلى 25 بالمائة في البرتغال.
2- ويحتاج الأمر إلى دقة أكبر فيما يتصل بمضمون عبارة "التعليم المهني" والذي، مما لا شك فيه، لا يقتصر على التمهن بمفهومه التقليدي. حيث بوسعنا أن نميز بين خمس حالات مختلفة لا يمثل التمهن سوى واحدة منها:
- التدريب المهني الذي يدور أساسا، إن لم يكن فقط لا غير (90 بالمائة على الأقل)، داخل المدرسة أو مركز التدريب أو مؤسسة تجمع بين الاثنين معا،
- التدريب المهني الذي يدور أساسا في مؤسسة تدريب/تعليم مع تخصيص جزء من المدة للتدريب في مكان العمل : ما بين 75 بالمائة وأقل من90 بالمائة من التعليم يجري في المدرسة أما باقي المدة فتجري في مكان العمل (مؤسسة أو شركة أو غيرها)،
- التدريب الموزع ما بين مركز تدريب/تعليم ومكان العمل - أقل من 75 بالمائة من مدة التدريب تتم في المدرسة والباقي في مكان العمل،
- التدريب المهني الذي يُجرى في قسمه الغالب في مكان العمل مع جزء في المؤسسة أو مركز التدريب - بحيث لا يتجاوز هذا الجزء 25 بالمائة من فترة التدريب الكلية،
- التدريب المهني الذي يجرى أكثر من 90 بالمائة منه في مكان العمل (مؤسسة أو شركة أو غيرها).
3- إن التمهن، بمفهومه التقليدي، الذي نجد أوضح مثالا له في دول مثل ألمانيا (تحت اسم النظام الثنائي "Dual System")، في النمسا، وأيضا لكن بدرجة أقل، في فرنسا، ليس إلا طريقة من طرق التدريب المهني الأساسي. يمكن اعتباره طريقة خاصة للتدريب بالتناوب، مع فارق طفيف ألا وهو أن الطلبة الذين يتابعون هذا النوع من التدريب يعتبرون مهنيين حسب مواد قانون العمل : فلهم دخل ويلتزمون بسياسة الشركة التي يعينون بها ويتبعون نظامها الداخلي، إلى آخره... أما في حالة التدريب بالتناوب (بمعناه الضيق) فإن الطلبة يظلون خاضعين للمدرسة بغض النظر عن طريقة التعاون بين المدرسة والمؤسسات أو الشركات، كما أن الدورة (حيث يتعلق الأمر في هذه الحالة بدورات داخل المؤسسة أو الشركة) لا تحتل المركز الأساسي في برنامج التدريب.
4- ومن المفيد أن نقارن بين عدد من الأرقام الإحصائية لإبراز المركز الذي يحتله التمهن داخل إطار التدريب المهني الأساسي :
- بلجيكا (الناطقة باللغة الفرنسية) : تمثل أشكال التدريب المهني/بالتناوب (للتفريق بينه وبين التدريب الفني "المدرسي") أقل من 5 بالمائة من مجموع الطلبة. ويتعلق الأمر أساسا بالتدريب المهني بالتناوب المخصص للطلبة الذين يواجهون صعوبات في مواصلة التعليم الدراسي التقليدي، وغالبا ما يتم تنظيمه بالمشاركة مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في إطار مراكز التعليم والتدريب بالتناوب.
- بلجيكا (الناطقة باللغة الفلمنكية) : إن التمهن بمفهومه الضيق لا يخص سوى 4 بالمائة فقط من مجموع الطلبة. يستطيع الشاب بدءا من سن 15/16 سنة توقيع عقد تمهُن مع مدير الشركة أو المؤسسة. ويذهب المتدرب إلى مركز التدريب/التعليم مرة في الأسبوع بينما يواصل باقي أيام الأسبوع تدريبا عمليا في المؤسسة.
- الدنـمارك : تتم جميع برامج التدريب والتعليم المهني بالتناوب، يتلقى خلالها المتدرب دراسات نظرية وعملية في مؤسسة تدريب أو تعليم إلى جانب التدريب، على فترات متفاوتة، في موقع العمل. يستمر التدريب المهني الأساسي من سنتين إلى خمس سنوات يدور ثلثاها داخل المؤسسة. وبشكل عام، تبدأ الدورة التدريبية بحلقة مدتها 20 أسبوع في المدرسة أو المؤسسة وتتواصل في المدرسة خلال 20 أسبوع أخرى وتنتهي بالتناوب في المدرسة أو المؤسسة. أما فيما يتعلق بالتدريب داخل المؤسسة، فإن المتدربين يوقعون عقد تدريب. تمول الدولة القسم النظري منه بينما تتولى المؤسسة دفع أجور المتدربين لديها، أما ضياع الكسب الذي يعانيه المتدرب خلال فترات تواجده في المدرسة فيتم تعويضه عن طريق صندوق تدريب تعاوني. يحصل المتدرب في نهاية التدريب بالتناوب على شهادة كفاءة مهنية.
- ألمانيا : يمثل النظام الثنائي "Dual System" طريقة التدريب والتعليم المهني الأساسي الأكثر شيوعا إذ يناهز عدد المشتركين فيه 65 بالمائة. يتم التدريب المهني أساسا في المؤسسة مع فترات في المدرسة المهنية. تمتد الحصص طوال 12 ساعة بواقع يوم أو يومين في الأسبوع تخصص 4 ساعات منها تقريبا لتدريس المواد العامة والباقي عبارة عن مواد خاصة تكمل التدريب في المؤسسة. يوقع المتدربون عقد تدريب مع المؤسسة علما بأنهم لا يستطيعون التدرب سوى على المهن التي تعترف بها الدولة. يتلقون نظير هذا التدرب أجرا يتم تحديده باتفاق عمل جماعي. ويكون لكل مهنة معترف بها مجموعة قواعد تنظم شروط تعلمها، وممارستها، ومدة التدريب، وبرنامج نموذجي للتمهن ومستوى الاختبارات. يمتد هذا التدريب من سنتين إلى ثلاث سنوات ونصف حسب المهنة. وغالبا ما يتركز التدريب المهني حاليا في حقول الإنتاج أكثر منه في قطاع الخدمات.
- اليونان : لا يزال التدريب المهني الأساسي لصيقا بالنظام المدرسي. بينما التمهن الصرف فيتم خارج النظام التربوي. إذ تتولى تنظيمه هيئة خاضعة لوزارة العمل (OAED) تجمع بين التدريب في مدارس تابعة لها ومؤسسات عامة أو خاصة. أن هذا النمط من التمهن في واقع الأمر يهم في المقام الأول الشباب من سن 15 إلى 18 سنة الباحثين عن عمل. ويمتد التدريب ثلاث سنوات. تقتصر الحصص في السنتين الثانية والثالثة على يوم واحد في الأسبوع بينما باقي الأيام فتخصص لمتابعة التدريب العملي في المؤسسة. ويخصص البرنامج 75 بالمائة للحصص النظرية و25 بالمائة الباقية للحصص العملية. أما فيما يتعلق بفترات العمل في المؤسسة فإن المتدرب يوقع مع المستخدم عقد تمهن.
- أسبانيا : إن التمهن بمعناه التقليدي محدود جدا في أسبانيا كما أن التدريب بالتناوب لم ينتشر بعد بشكل عام. ومع ذلك فإن القانون الأساسي لعام 1990 الخاص بنظام التربية العام قد نظم التدريب المهني الأساسي حسب هيكل مؤلف من دورات مقسمة إلى حصص تدريب نظري وعملي تتراوح مدتها حسب طبيعة المهنة مما يفرض بالضرورة إجراء جزء من التدريب في المؤسسة. تعقد مراكز التعليم في المناطق التي بدأت تطبيق نظام التدريب المهني الجديد اتفاقات مع المؤسسات وتعمل على تطوير طرق المتابعة الضرورية. كما أن سبل "التدريب في سبيل العمل" تلجأ غالبا لطريقة التناوب وبشكل خاص في "الورش المدرسية" و "بيوت المهن". يشمل التعليم الذي يلي فترة التعليم الإجباري في أسبانيا ما يقرب من 2.4 مليون طالب، 36 بالمائة من بينهم مقيدون في التدريب المهني : 24 بالمائة من المجموعة الأخيرة (أي ما يقرب من 200 ألف طالب) مقيدون في قسم التدريب المهني "الجديد" الذي يشمل بالضرورة التدريب بالتناوب.
- فرنسا : يتم الإعداد للحصول على دبلوم التعليم المهني في إطار التدريب الأساسي بأحد طريقين : المدرسة أو التمهن. ولقد نص قانون التوجيه الصادر في يوليو(حزيران) 1989 على أن التدريب المهني الأساسي بكافة أشكاله يجب أن يتضمن فترات تدريب في المؤسسة. كما أصبح من الممكن ابتداء من عام 1993 تطوير التدريب المهني بتعلم مهنة داخل المدارس. أما فيما يتعلق بالتمهن التقليدي المخصص أساسا للشباب من 16 إلى 24 سنة فإنه ينطلق من عقد عمل خاص يجمع بين التدريب داخل المؤسسة تحت مسؤولية "المسؤول عن التدريب" والتعليم في مراكز تدريب (CFA) خاصة أو عامة (غالبا ما تكون تحت رعاية الغرف التجارية والصناعية - كما هو الحال في ألمانيا). ونلاحظ أخيرا أن قانون 1987 قد فتح المجال للتمهن كنوع من أنواع التدريب في كافة شهادات التعليم التكنولوجي والمهني بعد أن كان قاصرا على الإعداد للحصول على شهادات الكفاءة المهنية فحسب.
وهناك ما يقرب من 800 ألف طالب في المدارس المهنية والتكنولوجية يتدربون حاليا في المؤسسات كما أن مراكز التدريب قد استقبلت ما يقرب من 250 ألف متدرب (خارج مجال الزراعة).
- ايرلندا : تم تعريف التدريب المهني الأساسي بأنه كل تدريب متصل بالعمل أو كل تعليم مهني يبدأ على الفور بعد التعليم الثانوي. يتم التدريب المهني أساسا داخل مراكز تدريب أو تعليم. في هذه الحالة أيضا نجد أن التمهن بمعناه الضيق لا يزال محدودا حتى أنه يكاد يقتصر على بعض المجالات فقط مثل السياحة أو الفنادق أو المهن الحرفية (لا يعني سوى ما يزيد بالكاد عن 11 بالمائة من السكان). يجدر بنا هنا أن نشير إلى أن الوكالة العامة للتدريب والعمل تنظم دورات تدريبية في المؤسسات تمولها حصيلة ضريبة نسبية على كتلة الأجور في قطاعات صناعية معينة. وأخيرا، تقترح المدارس التكنولوجية الإقليمية حصصا تؤهل للحصول على شهادة أو دبلوم مهني في المجالات الفنية والتجارية يشترك فيها قطاع الصناعة بشكل كبير.
- إيطاليا : تمثل المعاهد الفنية في إيطاليا الطريق الأساسي للتدريب والتعليم المهني الأساسيين (أكثر من 40 بالمائة من السكان). نجد ما يزيد على 68 بالمائة من الشباب اقتصر تعليمهم على مراكز التدريب والتعليم بينما 26 بالمائة يتابعون برنامجا يكاد يدور بأكمله في مكان العمل وبشكل خاص، إن لم يكن في الغالب، في مجال المهن الحرفية. يخص التمهن في المقام الأول الشباب من 15 إلى 26 سنة الذين تنقصهم الخبرة المهنية. ويعتمد على عقد يتعهد بمؤداه المستخدم (صاحب العمل) بتزويد المتدرب داخل المؤسسة بالكفاءات اللازمة التي تؤهله إلى أن يصبح عاملا ماهرا - ويتلقى المتدرب أجرا من المؤسسة. ونشير أخيرا إلى انتشار "عقود التدريب بغرض العمل" لمدة سنتين للشباب من 15 إلى 32 سنة يتم بمقتضاها التدريب في موقع العمل أساسا.
- لكسمبورغ : في أغلب الحالات يتم التدريب المهني في المدارس بالتناوب سواء على مستوى التعليم الثانوي أو التعليم العالي ويتألف من دورات تدريبية في المؤسسة. وبشكل خاص فإن برنامج "EST" (النظام المتلازم المختلط) ومدته ثلاث سنوات يجمع ما بين التدريب والتعليم العملي في المؤسسة. وبدءاً من التسعينات عمل المسؤولون في لكسمبورغ على تركيز التدريب المهني الأساسي من جديد على المؤسسة وذلك بهدف تكييف مضمون وطريقة التدريب مع احتياجات التأهيل والخبرات التي عبرت عنها المؤسسات، دون إسقاط الإجراءات الخاصة التي تم وضعها للشباب غير المؤهلين أو العاطلين عن العمل في طور التأهيل. وبحيث ما يقرب من 18 بالمائة من الطلاب يتعلمون مهنة على فترات متفاوتة حسب عقد تمهن شبيه بالنظام المتبع في ألمانيا.
- هولندا : إن الطلاب الذين يتابعون تدريبا أو تعليما مهنيا (أي ما يقرب من 70 بالمائة) يباشرونه في مراكز تدريب/تعليم، لكن جزء منه يتم في مكان العمل. 30 بالمائة تقريبا من الطلاب يشتركون في برنامج تمهن يجرى أغلبه في مكان العمل مع فترات متفاوتة في معهد تعليمي. وقد ترك القانون الجديد الصادر في 1996 المجال للشباب للاختيار ملياً بين التدريب النظري في المدرسة، أو العملي في المؤسسة. وفي الحالة الأخيرة، يتمتع الطالب بصفة العامل ويكون له الحق في الحصول على أجر.
- البرتغال : إن أغلب الشباب الذين يتابعون تدريبا مهنيا أساسيا يؤدونه داخل معاهد تعليمية تابعة لوزارة التربية. 10 بالمائة فقط من الشباب المعنيين يتابعون تدريبا بالتناوب. يخضع تعلم المهنة لإدارة معهد العمل والتدريب المهني، والذي يخضع بدوره لوزارة العمل. ويستطيع الشباب الالتحاق به منذ سن 14 إلى 24 سنة. يتم التدريب وفق عقد يبرمه الشاب مع مركز التدريب يحدد فيه مدة التدريب ولا يلزم هذا العقد الأطراف بعقد عمل في المستقبل. يتم جزء من التمهن في مركز تدريب مهني والجزء الآخر لدى صاحب العمل (الذي يوفر للشاب تدريبا عمليا في مكان العمل).
- فنلندا : يضطلع بالتدريب المهني الأساسي في المقام الأول معاهد التعليم العام. إلا أن التدابير الجديدة التي اتخذها المسؤولون في فنلندا سمحت ببدء التدريب المهني لمدة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات بهدف تكثيف التفاعل بين المدارس وقطاع الصناعة وجعل 20 بالمائة من الشباب الذين يزاولون تدريبا مهنيا أساسيا يتعلمون مهنة.
- السويد : كما هو الحال في فنلندا فإن التدريب المهني الأساسي قد انتشر داخل المعاهد التعليمية. ومؤخرا وضعت السلطات السويدية سبلا جديدة للتدريب وركزت على التعاون المكثف بين مراكز التدريب والمؤسسات على الرغم من غياب التشجيع المالي (أو الضريبي) الذي يحفز الشركات للاستثمار في التدريب المهني الأساسي (كما هو الحال في فرنسا على سبيل المثال أو في بلدان أعضاء آخرين).
- النمسا : إن لنظام التمهن والتدريب المهني النمساوي بصفة عامة تقاليد عميقة كما يعنى بتقبل كبير من طرف المجتمع النمساوي. ونظام الثمهن، الملقب كدلك بالنظام الثنائي، بدأ جزئيا في المدارس المهنية وجزئيا في المؤسسات المسموح لها بتدريب المتمهنين. يـختم المتمهنون مع المؤسسة عقد التدرب يـخضع لمسطرة قانون العمل والقانون الاجتماعي كما يقتضى به الحال فيما يخص المساطر الخاصة (تشغيل الشبان على سبيل المثال).
وزارة الشؤون الاقتصادية مسؤولة على كل المؤسسات المعنية بالتدريب بينما تخضع المسائل بيداغوجية مدارس التدريب المهني الى وزارة الشؤون الثقافية.
يمكن تنظيم التعليم في مدارس التدريب الجزئي طوال السنة أو فرعيا أو فصليا. و تتراوح مدة التدريب المهني بين سنتين و أربع سنوات، عامة تدوم هده المدة ثلاث سنوات. مند 1997 مكن إدخال “Berufsseifeprüng” تكاثر منفدية النظام، كما مكن إعطاء الحاصلين على شهادات، من مدارس التعليم المهني والتدريب و من مدارس التدريب، المتمهنين الإمكانية لمتابعة دراسات اخرى على مستوى جامعي.
بغض النظر على النظام الثنائي، يتنبأ النظام النمساوي كدلك تدريبا مرافق إجباري كامل الوقت في مدارس التعليم المهني والتدريب – على سبيل مثال المدارس الثانوية للتجارة و المؤسسات الثانوية للإدارة التجارية. كما تتنبأ مدارس و مؤسسات أخرى، تعمل في ميدان التمهن الاجتماعي و قطاع الخدمات و الهندسة، جعل التدريب المرافق خيار كجزء من برنامج التدريب.
- المملكة المتحدة : يتوزع أغلب الشباب في المملكة المتحدة الذين يتابعون تدريبا وتعليما مهنيا أساسيا على ثلاثة برامج رئيسية : برنامج الدراسة الكاملة للتأهيل المهني في المدرسة (ما يقرب من 36 بالمائة)، والتدريب بدعم من صاحب العمل (24 بالمائة)، ونموذج تدريب الشباب (22 بالمائة). وقد تم استبدال النموذج الأخير في 1997 ببرنامج التدريب القومي. بحيث أن ما يقرب من نصف المشتركين في هذه البرامج الثلاثة الرئيسية مقيدين في قسم يجمع ما بين حصص في معهد تعليم وتدريب في مكان العمل. مع أن السلطات البريطانية لم تعمد في الحقيقة اتباع نماذج التدريب المهني المعروفة في ألمانيا أو في فرنسا في هذا السبيل ومع ذلك فإنها تجتهد لنشر التدريب الحديث "Modern Apprenticeship" المتاح للشباب من 16 إلى 19 سنة والذي يغطي حاليا أكثر من 70 قطاع صناعي. النقطة الهامة التي يجب أن نركز عليها هنا هي أن مدة التدريب الحديث "Modern Apprenticeship" ليست ثابتة بل تتألف من فترات تتفاوت حسب قدرات وخبرات وتفوق كل متدرب، وأن تمويله يتم عن طريق قروض تمنح للشباب الذين يغادرون النظام المدرسي بالوقت الكامل.
5- هذا العرض الموجز للاتجاهات الرئيسية للتدريب المهني الأساسي وعلى الأخص التدريب بالتناوب بما فيه التمهن في الخمس عشر دولة الأعضاء بالاتحاد الأوروبي غير واف ويحتاج بالضرورة إلى تدقيق أكثر في عدة نقاط منه. وفي جميع حالات التدريب المهني الأساسي سواء كان بالتناوب أو تمهن، وسواء كان المستفيدون منه لا يزالوا تحت إدارة المدرسة أو يعاملهم القانون معاملة العاملين الشباب، فإن السلطات التربوية في جميع الدول الأعضاء تحاول تدعيم التعاون بين هياكل التعليم والتدريب من ناحية والأوساط المؤسسية من ناحية أخرى. كما أن الشاغل السياسي يتركز بشكل ما على إضفاء الطابع المهني على التعليم العام من ناحية وتفادي تقييد التدريب المهني الأساسي داخل إطارات فنية ضيقة. يتعلق الأمر أولا وأخيرا بتطوير ونشر التعاون في أساليب التعليم على جميع أقسام التدريب من حيث المضمون وطرق التدريب على السواء. ولا تستطيع هذه المشاركة أن تمر مرور العابر على تعريف الحاجة إلى المهارات والخبرات التي هي بالضرورة متطورة وكذلك سبل تعزيز التدريب المكتسب ودعمه بمنح الشهادات الضرورية.
6- لقد ولى زمن التمهن بمعناه الواسع القاصر على المهن المعروفة باسم "الحرفية" في مجالات الصناعة والتجارة وعلى الأخص في بعض الدول الأعضاء لطلبة التعليم العام الذين يعصى عليهم الاستمرار في الدراسات العامة التي تقودهم إلى الجامعة. إن الموقف قد تغير تغيرا جذريا. فمن ناحية نجد أن (الدبلومات) والشهادات المهنية التي يتم الحصول عليها في نهاية التدريب المهني (أو بالتناوب)قد ارتفعت مستوياتها. فعلى سبيل المثال، أصبح من الممكن الآن تدريب "الفنيين ذوي المستوى المتقدم" أو حتى "المهندسين" (مع تطور التدريب المهني في الجامعات)، ومن ناحية أخرى، خضع مجال المهن المشمولة بالتدريب المهني لانفتاح واسع فاصبح يشمل الآن جميع مجالات التقنيات الدقيقة.
7- ومع ذلك ينبغي علينا ألا نقلل من أهمية بعض العقبات التي تحول دون تطور التمهن وبشكل أعم مسارات التدريب بالتناوب، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
- العقبات الثقافية في المقام الأول : غالبا ما يُنظر إلى التعليم المهني (أو الفني) نظرة سلبية مقارنة بالتدريب العام الذي يفضل الدراسات الطويلة وبالذات التعليم العالي. إن هذه النظرة السلبية متأصلة في الأذهان، هذا على الأقل ما لاحظناه في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، فنجد أن فرص العمل أكبر كثيرا للشباب الذين تلقوا تدريبا فنيا خاصة بالاشتراك مع الأوساط المؤسسية.
- العقبات التربوية : إن التفرقة بين التدريب (التعليم) العام والنظري من ناحية والتدريب الفني من ناحية أخرى تفقد أهميتها شيئا فشيء. إذ أن المضمون المهني للأشغال وطبيعة الخبرات التي يفرضها سوق العمل تحتاج بشكل متزايد إلى القدرات العامة والفنية معا وبالتالي تفرض تقارباً تربويا منظما يتجاوز هذه التفرقة : من الشائع جدا ألا يظهر الفصل بوضوح في التدريب المهني بين الدراسات النظرية والخبرة العملية، الأمر الذي يحتوي على خطورة تفضيل الخبرة العملية المباشرة وهي بدون أدنى شك ثمينة ولكنها بالضرورة محدودة.
- العقبات المادية : إن التدريب بالتناوب بما فيه التمهن يبدو للوهلة الأولى مكلفاً أكثر من التدريب العام. حيث أن الأمر يتعلق بالإنفاق على المعدات والتجهيزات بالإضافة إلى التشغيل والكوادر. هذه التكاليف الإضافية ليست بالضرورة مُقيَّمة وفق قيمتها الحقيقية وعلى الأخص من قبل السلطات العامة وبالأحرى فيما بتعلق بالمزايا الضريبية التي تستفيد منها المؤسسات المستثمرة في التدريب المهني الأساسي.
- العقبات القانونية : إن سنوات التدريب بالتناوب بما فيه التمهن تؤكد بشكل خاص على المهارات المكتسبة في الخبرة العملية. ويكون الاهتمام الأساسي، الذي بلا شك له ما يبرره، في أن تؤدي هذه التدريبات إلى خبرات وكفاءات صالحة ومعترف بها، وقد يؤدي ذلك أحيانا إلى أن تضع العناصر المعنية (السلطات الإدارية المعنية وبالذات الوزارات وأيضا الشركاء الاجتماعيون) إجراءات معقدة للغاية وصارمة لمنح شهادات في الوقت الذي يتطور فيه النظام الإنتاجي بشكل سريع.
- العقبات السياسية (للتدريب المهني) : إن إقتصار طرق التدريب بالتناوب بما فيه التمهن على بعض القطاعات الخاصة التقليدية (الحرف، التجارة، الفنادق، السياحة، إلخ) دون تعديل أي من العلاقات بين النظام التربوي وعالم المؤسسات، يحتوي على خطر تقييد التمهن داخل حقل ضيق للغاية وتقوية التفرقة المشار إليها سابقا بين التعليم العام والتعليم المهني وعلى الأخص مستوى التعليم الثانوي.

الخلاصة :
• إن تجديد نظام التدريب المهني الأساسي وبالذات نشر التمهن أو أي شكل آخر من أشكال التدريب بالتناوب يحتاج إلى تضافر جميع العناصر المعنية : السلطات الإدارية والعناصر الاقتصادية والاجتماعية، إلخ. ويتطلب أيضا تفكيرا موازيا حول النظام التربوي بشكل عام بهدف إيجاد نظاما قادرا على بناء معابر تسمح بالانتقال، بشروط معينة، من قسم لآخر مما يُمكن الشباب تحت التدريب من توظيف جميع قدراتهم. لا يعني الأمر تفضيل نموذج تدريب بالتناوب، بما فيه التمهن، على آخر، فكل واحد منها (إذا كان الأمر يتعلق حقا بنماذج) هو ثمرة تطور تاريخي وثقافي وانعكاس لبيئة اقتصادية واجتماعية خاصة.
• وبفضل مقارنة التجارب في مختلف الدول، نجاحها أو فشلها، العقبات التي قابلتها والتشجيعات التي استفادت منها، أصبح بمقدورنا الآن تحديد عناصر استراتيجية التطور الرئيسية التي تلبي الشروط الضرورية والأهداف التي يضعها في المقدمة كل بلد يسعى بشكل خاص إلى نشر التمهن بطريقة أو أخرى وبشكل عام إلى تحديث جهازه التربوي والتدريبي.