elfraaena new Facebook twitter Youtube blogspot

 

المصطلحات السياسية في الاسلام
مجلة الموقعالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 المصطلحات السياسية في الاسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mr mohamed zakaria
المدير العام ADMIN
المدير العام ADMIN
mr mohamed zakaria

عدد المساهمات : 10378
الدولة : المصطلحات السياسية في الاسلام Egypt10
المهنة : المصطلحات السياسية في الاسلام Counse10

المصطلحات السياسية في الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: المصطلحات السياسية في الاسلام   المصطلحات السياسية في الاسلام I_icon_minitimeالجمعة يوليو 17, 2015 5:20 pm

المصطلحات السياسية في الاسلام
د. حسن الترابي
المقدمة
ان اللغة التي تعبر عن الحياة السياسية في بيئة ما انما تتطور اتساعا في التصريف ورسوخاً في المعاني مع تطور تلك الحياة والثقافة نموا واستقراراً او بؤساً واضطراباً. وقد كان ابتلاء المسلمين ان ضلت حياتهم السلطانية وتضاؤل كسبها من الحق بعد عهد قصير من خلافة راشدة لسنة الرسول (ص) السياسية، ثم اخذت تضطرب في مواقع شتى من الارض وتتقهقر عبر قرون انحطاط حضاري، وشهد التاريخ نهضة ثم حطة للغة العربية في كل مجالات التعبير المعروف، اذ ضعفت بواعث الايمان الدوافع للهدى والعدل والفلاح ووهت ضوابط التقوى الموانع للهوى والظلم والفشل، وتمثل ذلك في اللغة.
اصاب المسلمين بؤس في فقه حياتهم السياسية ومقاصدها ووسائلها ونظمها وعلاقاتها، واخذت بعض الكلمات التي كانت تشير بأصولها الصرفية الى توحي ديني عام لكل شعاب الحياة، تتطور الى دلالة خصوص يحصر عمومها الى محدود. فكلمة (الفقه) ـ مثلاً ـ كان معناها الفهم العميق لآيات الله في كل كتاب التنزيل او الكون او الحياة، تقلص مدلولها واصبحت قاصرة على فهم كتاب التنزيل، ثم على الفهم الساذج في ذلك الذي لا يبلغ حكمة الله، ثم على الحفظ بغير شيء من فهم، وكان ذلك التطور في معنى الكلمة موازياً للتقهقر في حرية الاجتهاد ونمو الحضارة. وقد تتحول الكلمات من الدلالة الى واسع المفهوم النظري نحو واقع المفهوم المعهود المحسوس. مثل كلمة (السلطان) كانت من اصلها تجمع ـ نظرا ـ كل مدى الحجة والسلطة للحكم وكل نظامه بشتى صوره ووجوهه فانحصرت في السلطان فردا يتسلطن على الرعية، وكان ذلك تعبيراً عن انحصار مدى النظر الى حد الواقع في كل الحياة الفكرية.
والعجز الحادث لدوافع الايمان عند المسلمين يقصر بهم عن نيل تمام الكسب لما تهدي اليه الكلمة اذ تنزلت تنزلاً حقا في الحياة، والأعراف والتقاليد المتدنية تهبط بها دون مداها اصلاً. ومثال ذلك كلمة (الشورى) التي تعني اجراء تشتبك به مشيئات المجتمع المتداولة لتستقر الى اجتماع لازم، فأصبحت لا تعني الا تداولا عفوا للرؤى هو ما انحط اليه الواقع السياسي. وكذلك كلمة (البيعة): تجاوباً حرا مباشرا لله معارضا لوعده بالجزاء كالتجارة، او طاعة صاعدة اليه تعالى بواسطة من يحمل امر الشريعة ـ هبطت من عالم الغيب الى الشهادة وتحولت اشراكاً زعما بالتقرب الى الله زلفى وبيعا للنفس تعبداً لبشر مقدس، او هي طاعة بالخوف العاجل لجبار يستغل تراث لغة الدين.
ومن امثلة تطور اللغة مع تدهور الثقافة والحياة ان قد تنمسخ الاوضاع المفصلة المتنوعة لان الحياة المعقدة قد تلاشت الى بساطة ساذجة، ومن ثم تغيب المعاني الدقيقة التي كانت تعبر عنها مصطلحات تميز كل الوجوه المتقاربة في مدى معنى كبير مركب، وبذلك تسود كلمة عامة تضم كل المدلولات. ومن امثلة ذلك كلمة (الحق) عموما وجمعا للحق والحرمة والحصانة والاباحة في دارج اللغة السياسية الحديثة. [1][1] وقد تتسع الحياة السياسية وتتكثف قضاياها بتعقد الابتلاءات المتطورة وتغير الظروف الطارحة لاوضاع متجددة، وبذلك قد يضطر المسلمون لابتداع كلمات جديدة تستوعب مفهومات سياسية عارضة على تقاليد الثقافة. ومن امثلة ذلك قديما كلمة (دار الاسلام) وحديثاً كلمة (الحكم الاتحادي).
ولربما يقوم اهل الفقه والعلوم السياسية الناهضون بدوافع اصيلة او بعلوم دخيلة ليتحروا الضبط في المعاني السياسية والدقة في اصطلاح الكلمات، فيحملون الكلمة العامة على اصطلاح سياسي مخصوص، او يبتدعون تعريفات تناسب معنى حكيماً. والكلمات عند فقهاء اللغة والحكمة لا تترادف معنى وانما تتنزل في البيئة الى مدى دلالة مشترك لوجوه شتى، فاذا درج الاصطلاح على عين معنى للكلمة اصبح ذلك شائعاً بين أهل السياسة بظلاله ووقعه المخصوص، ومثال ذلك الاصطلاح بخصوص معنى لكلمة (الامة) او (الحزب)، وابتداع كلمة (الجمهورية)، والوقع الحاضر المتمايز لمعاني كلمات (الملك) و(الإمارة) و(الرئاسة).
وقد تتسع الحياة العامة بين المسلمين الى شعاب تخرج من اصول الدين، وقديم الفقه السياسي ولغته التي لا تستوعب الجديد بدقة، ولذلك تورد كلمة من التصاريف العامة فتروح، مهما كانت في جذورها لا تحيط المعاني المقصودة بالاصلاح. ومن امثلة ذلك العصبية المقصودة بمصطلح (الوطنية) المصروفة حديثاً من كلمة (الوطن) المحدودة قديماً. وقد تتحرك كلمة من موقعها المعهود وتخلفها كلمة اخرى كانت معهودة لغير ذلك. ومن ذلك المعهود قديما وحديثاً من كلمتي (المشيئة) وهي الارادة الحرة و(الحرية) وهي الكلمة الجارية الآن لذلك المعنى، لا للمعهود قديما المقابل (للعبودية) رقاً.
وتتطور اللغات البشرية مع اقدار العلاقات العالمية في الارض، فحيثما انخفض وقع لغة ما بانحطاط الحياة عند اهلها هبت عليهم تيارات من لغات اخرى، من مناطق حضارات اقوى تغزو بضغطها الفائض. ولذلك حينما غزت المسلمين الحضارة الغربية نزلت عليهم تعابير عن غير ما عهدوا من قيم ونظم وعلاقات ووسائل ومصطلحات غريبة تحمل معاني اوضاع ووسائل وفنون سياسية مما ابتدع اهل الغرب باجتهاداتهم وتجاربهم المتقدمة. وبعض ثمار ذلك مما يوافق قيم الاسلام التي عجز المسلمون ان يحققوها واقعاً، او التي عرفوها سلفاً وضيعوها خلفاً. وفي كل حال قد ينفع المسلمين غريب اللغة والمعاني اعتباراً وتفاعلاً رشيداً بتجارب البشرية، وقد تحمل اللغة المنقولة العدوى بأمراض معاني سياسية غازية.
وقد ترد على المسلمين بعض مفهومات جديدة يتفهمونها فيعبرون عنها بمنطوق عربي معهود المعنى، او بتعرف جديد من جذر عربي صائب الدلالة، ويدخل المصطلح الجديد الى موسوعة الثقافة السياسية ويمضي بمدلوله الصحيح، بأصل معناه او مثقلاً بمعنى اضافي محمول. وربما يأتي التعريب من بؤس فقه المعاني وسوء تصريف العربية بلفظ عربي نسيت دلالاته التاريخية، وبعث خطأ يزور المعنى الوارد ويمسخ المعهود القديم. ومثال ذلك (الدولة) الدورة من الحكم الدائل غير الثابت مصطلحاً يطلق اليوم لوصف كل الثابت القائم من نظام السلطان كما تعني كلمة (State) المترجمة (دولة).
وقد تدخل المفهومات الغربية بلفظ الكلمة الأعجمية التي كانت تحملها في الثقافة الغازية، فتشيع الكلمة بين الناطقين بالعربية وتأخذ مكانها في لسانهم وتندرج بمثل مفهومها بين أهلها الاولين بأصولها وظلالها، ذلك مثل كلمة (قانون). وقد تنقل الكلمة الاجنبية بلفظها لكنها مهما حملت مفهومها العام لا توحي بكل الظلال المعهودة في بيئتها الاصلية، فتسري في العربية قاصرة عن مدى معناها او غير مفهومة بكل مقتضياتها هناك. وذلك مثل كلمة (الديمقراطية).
ولربما اذ ترد الغرائب من المفهومات على مسلمين ضيعوا تاريخهم الثري قيما وحضارة وصرفا لغوياً بليغاً، فيضطر المترجمون للتعريب بلفظ يذكرهم بالأصول الدينية واللغوية ويكشف الحق المهجور، ويخرجه على الناس تائبين الى الاصالة مطمئنين. وذلك مثل نقل معنى (السيادة) للشعب والدستور بعبارة (الحاكمية لله وللشريعة)، او ربما تعرب الكلمة مخفية ما تلوثت به من منكر مثل كلمة (العلمانية) صرفاً من كلمة (العالم) بنون المبالغة مع اخفاء المقصود من انه عالم الدنيا دون عالم الغيب وانها اللادينية السياسية.
ان السودان مركب التكوين الاجتماعي والاصول الثقافة الحضارية، متباين الاوضاع الطبيعية، متعرض للمجاورة الكثيفة والمفاعلة العالمية العنيفة، متطلع من البؤس رزقاً وعلماً الى آفاق نهضة، متقلب في دورات من النظم السياسية بين حرية وتمثيل وبسط وقهر وجبروت وتركيز، مجرب في تاريخه الثقافي لأصالة التراث النوبي والافريقي والعربي والاسلامي ولغاشية الغرب استعماراً مباشراً ونفوذاً حاضراً.
انه يشهد اليوم دعوة إسلامية شاملة في الحياة تثمر قوة ثورة في السلطان وتوبة للعربة في كل العلوم، وحركة تجدد حي بعد تقاليد الجمود، وتحاور نشط بين كل المذاهب والثقافات، وتدافع مبشر بين مثالات الكمال ومخاطر السقوط. ولذلك تضطرب الحياة العامة بكل مصادرها الثقافية ومواردها الواقعية، وتشتبك اجتهادات المعاني المقصودة وتختلط الاصطلاحات الموضوعة استمدادا من كل الاصول والاعراف والتراجم. وذلك مما يدعو لثورة تولد وتجدد للكلم الصائب واتقاء للتورط في الخاطئ من كلام السياسة.
وفي سبيل التواضع على لغة فصيحة جميلة في التعبيرات والاصطلاحات السياسية العربية، والتيسير السمح لوسيلة التواصل والتفاهم والتحاور بين الألسن والثقافات السياسية، والتأسيس المستقر الأمين للمعاني والهدي الرشيد القويم للمسير والدفع الناهض الواعد للمصير في الحياة السياسية الاسلامية ...
أقدم هذه المعاني المختصر تعريفها في ورقات ...
حسن الترابي
الخرطوم: 1421 هجرية
2000 ميلادية

الحياة العامة
الحياة حركة في الوجود ونمو ونتاج. وهي تكون باطناً افكاراً تخطر وخلجات تعتمل ونيات تتوجه للخروج فعلاً، وقد تكون ظاهراً خاصاً فيما يلي الانسان في خلوته عن عامة الناس او في صلاته المحصورة على زوجية ونسب وصحبة قريبة. اما الحياة العامة فهي مما لا يقصره السالك على نفسه باطناً او خصوصاً بل مما يجري في سياق علاقات الجماعة، ويقع على عموم من المجتمع نفعاً او ضراً طوعاً لدوافع شهوة او هوى او ايمان، او قفاً لضوابط من قوة عرف او سلطة في المجتمع تحمل حوفاز من بشائر اجر وعطاء او صواد من نذر عقاب وأذى.
واذا عرف الانسان ربه ملكاً الهاً للوجود فان حياته بكل شعابها الباطنة والخاصة والظاهرة العامة تتحد من بعضها اصلاً في النفوس، الى بعضها الذي قد يخرج تعبيراً في ا لخارج او يمتد من الخصوص الى العموم. والذي لا يؤمن بالله الهاً واحدا للوجود قد تتقاصر شعاب حياته او تتباين. فالمشرك بالله شيئاً من الوجود او المشهود يشرك في حياته بين هواه وهمه الخاص ورغبته ورهبته من عامة الناس، ينافق ويرائي فيبدي ما لا يبطن، وينشر في الظاهر العام ما يخفي في خويصة النفس وسر العلاقات.
(والحياة العامة) مصطلح يشير اليها حيث منشطها الاحمى (السياسة) ووقع السياسة فيها الافعل (الحكم) وقوة الحكم العليا (السيادة) و(السلطان) واطار السيادة الاسمى (الدولة) وما وراءها. الا عن مصطلح (الحياة العامة) لم يكن فاشيا في الماضي عند المسلمين لان حياتهم اذ تتدهور بهم تدينهم اصبحت بغالبها خاصة، والعام منها في صلات المجتمع والسياسة فتر بدينهم المنحسر وقصر على أهل دوائر السلطان وحدهم.

السياسة
(ساس) فعل من تصاريفه الطبيعية الأولى اسم (السوس) وهو الدود والجراثيم التي تأكل الثوب والطعام دقة وخفية. اما في الحياة العامة فمن تصاريفه (السياسة) وهي ادارة امر تقتضي ضبطاً وتدبيرا كسياسة الحصان من السايس الذي يروضه، او سياسة مجتمع الرعية من الراعي حيث يقوم بأمره العام ليصلح شأنه، ويبسط معقدات علاقات السلطة فيه ويعقد مركبات المصالح العامة. واذا نكرت الكلمة واضيفت الى اسم شأن في الحياة، (سياسة كذا ) (Policy) فهي المنهج او المذهب العام للسياسة في ذلك الأمر. واذا نسب اليها جمعا في الانجليزية (Policies) أي (السياسات)، فذلك مصطلحاً يعبر عن مناشط الحياة العامة حول السلطة والحكم العام، واحياناً يقصد به تدابير المكائد والحيل في العمل والعلاقات العامة في سبيل الجاه والمغانم في ساحة السلطان. (فالسياسي) اما العامل النشط، او ذو الحكمة في الحياة العامة، او ذو الدهاء في ذلك من أجل المنصب والنفوذ والمصلحة الذاتية، ولو دون المبادئ والأخلاق.
والمصطلح في مغازيه السالبة انما شاع في المجتمعات التي شهدت الفتنة بشهوات السلطة واهوائها غفلة وتجافياً عن اخلاق الدين وشرعه ورقابة الله الغيبية ولزوم تقواه في السياسة شعبة من شعاب العبادة لله. والذي حرر كتاباً وسماه السياسة الشرعية قديماً (ابن قيم الجوزية) كأنما قصد أن يتوب بالسياسة التي اخذت تجنح نحو الهوى الى التدين بمراعاة شرع الله. ويمكن اذا اهتدى المسلمون الى توحيد كل الحياة عبادة لله، ان تروج كلمة السياسة مطهرة من تلوثها بالهوى او المنكر الوارد على المسلمين.

الحكم
إحكام الامور ضبطها واتقانها واقعاً، وكتاب الله بيان حكيم لا يضطرب ولا يختلف حفاً فعلاً، والمحكم فيه غير متشابه، والله احكم الحاكمين يوم الدين و(المحاكمة) احسان دقائق الأعمال واتقان الصنائع تنزيلاً لأفضل العلوم، و(الحكم) العلم والفقه المتنزل عملاً راشداً في الحياة، وهو ضبط الامور ردا للظلم فيها الى اطار الحق، وذلك امراً او قضاء، و(الحاكم) القاضي الذي يتحاكم اليه الخصوم للعدل في امر خاص، او الأمير مانع الظلم في الأمور العامة الخلافية.
(والحكومة) مصدرا عربياً اصيلاً من (حكم) فذلك قرار القضاء في أمر ارض الجراحات بدية غير معلومة حدا بل مقدرة نسبياً، وكل حسم للتنازع بالتي هي أسلم وأعدل.
اما (الحكومة) ترجمة لكلمة (Government) اشتقاق من الفعل (Govern) بمعنى يسير او يحكم فانما شاعت كذلك اصطلاحا حديثاً في اللغة السياسية العربية، عندما غزا الغرب المسلمين وغلبهم حاكماً.
(فالحكومة) هي فوق عموم نظام السلطان المتمكن بقوته على المجتمع هي تلك الشريحة النازلة بحكمها على خلافيات الرعية، وهي الأداة القائمة في صدر ولاية الأمر العام التي تتولى التصرف بسلطتها في الخلافيات التقديرية الأعم، مرجعا أعلى للعدل والتوجه في الحياة العامة، قد يتعاقب عليه اولو الامر تقلباً واستلاباً بالقوة او توارثاً او اختياراً سليما دورياً من الرعية، بينما يستمر ويستقر من تحتهم العاملون بدواوين الخدمة السلطانية الدنيا، عبوراً لدورات المتداولين على السلطان وطاعة لسياستهم القيادية كيف تطورت او تغيرت.
و(الحاكم الأعلى) هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ وانما يحكم المؤمنون به المستخلفون في الارض بما شرع هو وأنزل، فاليه ترجع الحاكمية العليا. و(الحاكمية لله) عبارة روجها حديثا ابو الاعلى المودودي وسيد قطب ودعاة التوحيد والتوبة بالحكم الى الدين وبالسياسة الى العبادة اصل الإسلام لله.

السيادة
السيد: هو ذو الافضلية والعلوية وفق المعايير للأفضلية الرائجة عموماً في البيئة الثقافية المعينة، او حسب السياق الخاص في التعبير : (كالسيد) نسباً وشرفاً عندما يفاضل الناس لا بالعمل والتقوى كما شرع الله، و(السيد) البالغ الكرم حلما وحكمة وطهراً بالفضل الاخلاقي، او (السيد) للفئة الاجتماعية او السياسية او الثقافية الدينية .. (والسيد) لقب احترام عام كالمصطلح الشائع الآن في دارج الخطاب، ولعلها تأثرت بما يقابلها من كلمة (Mister)، واذا جاءت منسوبة للمتكلم: سيدي، سيدنا، فهي خطاب او ذكر باحترام بالغ تقابل كلمة (Sir).
والسؤدد او السيادة كلمة لم يكن لها مجال في المصطلح السياسي الاسلامي الاصيل، اذ ان الحياة الاصلية قيمها واعرافها ولغتها انما تعهد المساواة والتواضع والشورى والحرية. لكن عدوى الثقافة السياسية الاوروبية اوردت الترجمة من (Sovereignty) تعبيراً في مجال السلطان الداخلي للبلد عن معنى القوة العليا التي تصدر عنها التكاليف بالأحكام والشرائع العامة، اما في مجال العلاقات العالمية فهي تعبير عن العزة والاستقلال بالأمر الذاتي دون ذوي الاستعمار والسيادة في ارض اخرى.
والسيادة (Sovereignty) علوية سلطان كانت في اوروبا منذ القرن السادس عشر للملوك، فوق أمراء الاقطاع ـ النبلاء المتمكنين فوق الرعية، علوا من ورائهم ومن وراء رؤساء الولايات والدويلات ان كان الملك امبراطوراً، وتجاوزاً لسلطان الكنيسة ولبعض مجالس الملأ وكبار القوم.
وفي تطورات النظم السياسة لاسيما بعد الثورة في فرنسا وأميركا اصبحت السيادة للشعب الثائر الغالب في فرنسا، ولمجلس نوابهم ـ مجلس التداول الاعلى او (البرلمان) في انجلترا، وهي (Supremacy)، وللدستور ونصه في اميركا. والكلمة بالطبع بعد انحسار الاستعمار اصبحت صفة للدولة المستقلة جملة، وان كانت العولمة تزحف الآن على سيادة الدول لجهات تجمع الأمم او بعض الدول او لجهة ترجح على بعض الدول بأثرها.
ولعل الاوفق في السياق الديني ان تكون عبارة (السيادة المطلقة) لله سبحانه وتعالى (The Supreme Being)، فهو سبحانه وتعالى السيد الأعلى، والصفة معروفة لله في العربية، وان لم تكن شائعة في الفقه السياسي. والله ـ سبحانه ـ السيد الأكبر هو الذي يستخلف بقدره من يشاء من الأقوام والشعوب ليسود عليهم بشرعه في احكامه مؤمنين، اذا لم تسد فيهم اهواءهم الوضعية كافرين، او ساد بعضهم على بعض بصراعات القوة وشهواتها مشركين ملحدين بالله.

الملك
الملك من أسماء الله تعالى. والملك او الملكية صفة في الارض، تعني الاحاطة والقوامة على المملوك. اما سياسيا فصفة الملك كانت قديما اصطلاحا للقوامة المتسلطة على أمة من الناس، وكانت تلك القوامة على الامر العام في غالب المجتمعات يداً مطلقة غالبة حتى في تولية من يرثه في المكان ولياً للعهد حتى يخلف. وقد يكون الملك صالحاً عادلاً او مفسداً ظالماً، وقد يسوس الملك الناس بحكمة ولطف وشورى، او بسفاهة وعنف واستبداد {ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}. [2][2]
والنظم الملكية الوراثية حديثاً تطورت في غالبها بأثر ثقافة الحرية والمساواة، حيث تضاءلت الشرعية الوراثية الى زوال النظام الملكي، او الى تحول المصطلح من المقتضى الذي كان معروفا الى واقع رمزية رئاسية تمثل وحدة الرعية داخلاً وخارجاً ـ ملكية ذات طقوس احترام بلا سلطات فاعلة تذكر للملك (King) في بلده التي ظلت تسمى المملكة (Kingdom). وليس للمسلمين نصيب من الملكية بمفهومها الرمزي الجديد في سياق سياسي من الحرية والشورى لنظام الحكم، بل بقيت نظم تحمل اللقب بأعراف تقليدية.

السلطان
السلطة والسلاطة القهر، والتسليط اطلاق السطوة، وزيادة الألف والنون تعريفا دلالة على معنى ابلغ، فالسلطان الحجة والبرهان الغالب، وهكذا وردت الكلمة كثيراً في القرآن. والسلطان سياسياً هو اسماً الوالي القاهر، وهو مصدراً قدوة السلطة العامة ونظامها. ولذلك تسمى الأحكام والشريعة التي تتصل بالسلطة (الأحكام السلطانية). وكلمة (الحكم) تصوب الى وقع الشرائع والاوامر فضلاً لقضايا النزاع السياسية، بينما تشير كلمة (السلطان) لصفة السلطة القاهرة النافذة اوامرها وحكومتها (فالسلطان) تقابل كلمة (Government) نظاماً للسلطة لا تمكنا منها متداولاً.
وقد شاعت كلمة (السلطان) قديما لدى المسلمين بعد عهد، مصطلحاً لمن يتولى الحكم الأدنى ولاية تحت الخليفة او على ارض دونه، ثم انتشرت الكلمة اخيرا لتصف رأس دويلة او إقليم او قبيلة. والأوفق مع تجدد حال المسلمين وتطورهم ان تبقى الكلمة وتشيع في علوم المفهومات والنظم والأحكام السياسية بمعناها النظري المحيط بعالم السلطة القاهرة عموماً على المجتمع.

توقيع : mr mohamed zakaria




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mr mohamed zakaria
المدير العام ADMIN
المدير العام ADMIN
mr mohamed zakaria

عدد المساهمات : 10378
الدولة : المصطلحات السياسية في الاسلام Egypt10
المهنة : المصطلحات السياسية في الاسلام Counse10

المصطلحات السياسية في الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: المصطلحات السياسية في الاسلام   المصطلحات السياسية في الاسلام I_icon_minitimeالجمعة يوليو 17, 2015 5:21 pm

الإمارة
الأمر هو الشأن، والأمير هو الآمر الطالب الناهي البالغ في ذلك قوامة اجتمع للأمور العامة وأنفذ للأوامر. والإمارة هي القوامة التي تمكن من الأمر والنهي على الرعية ـ ولاية على جماعة محدودة او سلطاناً على مجتمع كبير في ارض ذات مدى. ومنها سمي من تولى سلطان المسلمين بعد الخليفة الاول للنبي (ص) (أمير المؤمنين).
وقد تطور المصطلح باستعمار (الإمارة) على طائفة محدودة او شؤون معينة من الحياة العامة، واستعملت قديماً صفة (إمارة الأمراء) للنيابة العليا العامة عن خليفة المسلمين. وذهب التاريخ بكلمة (الأمراء) في عهود الملوك الى ان يكونوا نوابهم وأولادهم او من أسرهم وهم الأوائل مرتبة، كما جاءت من اللاتينية كلمة (Prince).
وقد اخذت الحركات الإسلامية التجديدية في دار الإسلام القديمة، وفي أميركا تسمي القائد ( أميراً). ولربما تتضاءل الظلال الملكية من الكلمة وهي تعود للرواج لا بين الحركات وحسب بل بين دول إسلامية صغيرة او ناشئة.

الإمامة
الإمامة وظيفة الامام ـ من يكون أمام الآخرين مثالاً او قدوة في وظيفة خاصة كإمامة الصلاة، او في وجهة الحياة العامة كإبراهيم عليه السلام {قال إني جاعلك للناس إماما} [3][3] او في صفة خير وفضل خاص {واجعلنا للمتقين إماماً}. [4][4]
والكلمة ذهب بها المصطلح في خلف المسلمين الى قيادة أمة المسلمين في الفقه ومذاهبه، ثم في السلطان عند الشيعة لمن تحق لهم وراثة إمارة المسلمين. واليوم اصبحت الكلمة صفة كثيراً ما تلحق بذوي التقدم على الآخرين في الفقه او الدعوة او المكانة الدينية عموماً. وهي تقدير كثيراً ما يتم بأثر النظر الراجع الى من كان أهلاً للتقدم بعد الممات وللبروز في التاريخ. ذلك مثل ما يعهد النصارى في صفة القديس (Saint) الذي تعتمد فضيلته العالية توقيراً بعد الممات.
الكلمة في الحاضر لم تعد عند غالب المسلمين سياسية، وعند الشيعة اخذت تطلق على الفقيه الأعلى الذي يشغل مكان الإمام الغائب في زعامة المجتمع روحياً وسياسياً. والأوفق ان يحفظ للكلمة (الإمامة) مغزاها الشامل: قيادة في كل شعاب الحياة المتدينة للمسلمين قيادة حضارية تدفع مجمع مساقات الحياة، والإمام من هو أهل للوصف عند عامة المسلمين. ذلك ـ بالطبع ـ مع حفظها لإمام الصلاة التي هي عماد الدين تتخلل كل أوقات الحياة وتمد كل شعابها بالهدى والتزكية.

الخلافة
الخلافة هي معاقبة خلف لسلف {الليل والنهار خلفة} [5][5]، والإنسان في الأرض (خليفة)، يتعاقب الأفراد حياة وموتا ومولداً للجديد ونشأة لأجيال وأقوام وقرون. وخلافة الله في الارض هي فقط قدره ـ سبحانه ـ ان يتعاقب بنو الإنسان ويستخلفون فيها، وقد تحرك بالعبارة الوهم ـ في بعض الفكر الإسلامي ـ لأن تعني القيام مقام الله لغيابه غيباً او القيام بأمر تفويضه شريعة في عالم الشهادة. وفي سلطان المسلمين (الخلافة) كانت القيام مقام الرسول (ص) بعد مماته في قيادة المسلمين وسلطانهم، فكان ابو بكر (الخليفة الأول) ، وعقبه عمر وثقل أن يكون لقب خليفة خليفة رسول الله (ص) فأصبح يسمى (أمير المؤمنين) . ومهما انتهى عهد الخلافة التي كانت راشدة مقتدية بسلفها من سنة الرسول (ص) وكانت لا تقوم استلاباً بالقوة وظلما وتوارثاً بل تقدماً طوعياً لاختيار الفضل، فقد اصبحت كلمة الخلافة اصطلاحا محبوبا ونسب اليها كل سلطة تتمكن على المسلمين ويسمى رأسها (خليفة) ، ولو كان خلفاً ضالاً لسلف راشد. وكذلك توالت (الخلافات) وكلها قوة تسلب السلطان عقباً بعد قوة، حتى الغيت (الخلافة) عند العثمانيين، لا هدى الى كلمة تتجاوز معنى التعاقب وراثة راجعة الى المثال الراشد الأول بعد الرسول (ص)، بل ضلالاً بعيداً وخروجاً بالسلطان عن دين الله.
وما زال السعي الى التوبة بالسياسة الى التدين التوحيدي يتخذ كلمة (الخلافة) احيانا شعاراً لرد السلطان الى الحكم بما انزل الله، لا بالطاغوت الوضعي المبتدع هوى او تقليداً للادينية السياسية الغربية.
وعندما أخذ المسلمون يجنحون للحكم بلا تدين راجع لله وشرعه اتخذوا كلمات تقليدية (ملكاً) او (إمارة) او (سلطنة) .
ففي آخر القرن الرابع للهرة حيث شهد المسلمون في شأن حكمهم وأمرهم السياسي شذوذا واقعياً نصب (الخليفة) العربي رمزاً للتراث، وقام فيهم (السلطان) من خارج العرب. وأخذ بذلك يتمايز الدين شعاراً فوقياً وهوى السلطة الوضعي مذهباً قائماً بالواقع، لا بالعمد الصريح كما حدث في أوروبا عندما انعقد الإيمان باللادينية العلمانية والزمانية الدنيوية السياسية.
ولئن تاب المسلمون بسياستهم الى دينهم فإن مصطلح (الخلافة) أوفق بأن يصف التوالي بالوقوع على أعيان المتوالين السلطان حسب تعاقب الاختيار بالشورى، وأن يصف التوالي خلفة على ذات الالتزام بالدين والشريعة تجرداً من اضطراب انماط الهوى والوضع المتدارك المترابك. اما صفة المكانة لدى رأس المسلمين إمامة سياسية فيمكن ان يشار لها (بالرئاسة) او (المقدمية) او (الأمارة) او ايما مصطلح آخر. ولما كانت عبارة (رئاسة الجمهورية) انما اتخذت في لغة الغرب السياسية اشارة للجمهور من أخلاط الشعب ذي السلطان تجافياً عن الملكية المتعالية بالسلطة على عامة الناس، فاليوم ولّى عهد الانتقال المذكور في التطورات السياسية لا حاجة لإضافة الرئاسة الى الجمهورية. ومن العسير اضافة الرئاسة الى (الأمة) فهي كلمة في مصطلح اليوم تجمع كل الوجود المسلم في الأرض في أراض ذات سلطان متفرق. ويمكن إضافة (الرئيس) الى كلمة (الدولة) وهي مثل كلمة الخلافة ـ لغة لأنها تعني الدور والعقبة في تداول السلطان. ويمكن لكلمة ـ الرئيس ـ ان تستقل، ولكنها كلمة عامة لرئاسة شتى الجموع في شتى الشؤون من الحياة. ويمكن الرجوع الى كلمة (الأمير)، ولأنها نزلت الى رئاسات فرعية في التراث يمكن ان تضاف (للمؤمنين) جملة، وإن اختلطت المجتمعات بغير المؤمنين فيمكن ان تلحق بها صفة فضلية (الأمير الأكبر)، ويمكن ان تعمل كلمة (المقدم) تعبيراً عن رئاسة أميرية، او تنزل كلمة (المقدم) للرأس في وظيفة او منصب بغير سلطة أمر ذي شأن ويمكن التصريف نحو ذلك من تجويد التعريب للمصطلحات السياسية بكل مغازيها الدينية.

الدولة
الدولة ـ لغة ـ العقبة في المال والحرب، وكل تصريفات الكلمة حول حركة التعاقب ودورته: دال، داول، اندال، أدال، دواليك. وتطورت الكلمة (الدولة) في العربية لتعني التعاقب على السلطان، تسمى باسم من كان له الدور في الغلبة والولاية. والكلمة اللاتينية (State) اشتقت من (القيام) بالأمر العام. والآن في العربية المتأثرة بالثقافة الغربية تحولت الكلمة من وصف لعنصر المعاقب سياسيا على ولاية الأمر العام استلاباً او انتخاباً، الى وصف كل النظام والهيكل للشأن السلطاني العام. وأحياناً يشار بكلمة الدولة لا للبنية السلطانية بل للمدى الأرض المتمكن منها السلطان متمتعاً بسيادة ذاتية بين أقطار العالم وأراضيه الاخرى. و(الدولة) اسم عام وتسمى خصوصاً حسب نظام السلطان فيها، فهي احياناً مملكة، او سلطنة، او احياناً اذا كانت دولة مركبة واسعة تسمى البنى الإقليمية السلطانية الفرعية فيها (إمارات) و(ولايات)، اما الجملة سلطاناً وأرضاً فقد تسمى قديماً (إمبراطورية) وذو الأمر السامي عليها يسمى (إمبراطوراً). أما جملة السلطان وما تحته من الأرض عند المسلمين قديماً فقد تسمى (الخلافة) ـ اذا لم تنسب الخلافة الى اسم القوم او ذوي السلالة الذين تولوها، او يسمى ذلك المدى (دار الإسلام) اشارة لأرض المسلمين دون (دار العهد) تحالفاً حولهم و(دار الحرب) تناصباً ضدهم.
والدول ذات التحالفات السلطانية التي للولايات الفرعية فيها بعض استقلال لا مركزي تسمى (اتحاداً) (Federation) اما الدول اذا كانت مستقلة بسيادتها كسائر دول العالم لكنها تتمركز عند عاصمة بكيان عضوي ذي سلطة محدودة وقعها مباشر على المواطنين كافة فذلك (ائتلاف دولي) (Confederation) او (مجموعة دولية) (Community). وكل تعاون بين الدول عليه كيان عضوي مشترك ذو وظيفة تنسيق بغير أمر فالجامع يسمى (رابطة) او (جامعة) او (عصبة) او (تحالفاً) او (مؤتمراً) (League Alliance).
وغالب هذه العبارات ترجمة تنقل تجربة الدول الغربية الناهضة بين العزة والاستقلال والبر والتعاون. وما زال المسلمون بعد ان تفرقت امتهم اقطاراً تعازلت بسلطانها، في بؤس من تجربة التقارب درجاً نحو توحيد الأمة، والمصطلحات والكلمات في العربية الآن ترتبك، وأحياناً تترادف دون قطع البيان وحد التعبير عن درجة العلاقة بين الاعتزال والاتحاد، او عن قدر الوظائف المشتركة او كثافتها، او مدى ضآلة الإدارة العضوية الواصلة او قوتها فيما بين الدول.

الأمة
اول حلقات تصل الإنسان بالمجتمع صلة عرقية ثقافية هي ـ بعد الأسر والبطون والفخوذ ـ (القبيلة)، وهي في بيئة مسلمة قربى تقبل وتعارف ثقافي وتعاون وبر اجتماعي وقوة سياسية، لكن اذا فتن بها الإنسان تصبح محول عصبية قبلية وأداة مقاطعة ظالمة لمن وراءها. ثم تتألف شعوب ـ شعباً كبيرة من الشجرة الإنسانية تجمع شتى الناس شركة خير من الثقافة والأرض والمصالح. وقد تقع فتنة تفرق بعض الشعوب عن بعض بالعصبية الشعوبية.
والمؤمنون جميعا قبائل وشعوباً امة واحدة عبر التاريخ والقرون والأقوام، {ان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فأعبدون} [6][6] وذلك بعد ذكر سلسلة الأنبياء وأقوامهم، او عبر الأرض والبلاد {ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. [7][7]
وكلمة (أمة) من أصل (الأم) في الولادة ـ قد تشير الى جماعة ذات اتجاه معين تؤمه جمعاً دون الآمرين، او طائفة من الناس حول هم او وظيفة مشتركة في الحياة، او الى مجموعة من الحيوان، او الى فرد هو قدوة للناس كافة كإبراهيم، وكل ذلك في القرآن.
ولكن الكلمة أصبحت اخيراً في عربية الإسلام مصطلحاً يقتصر على جملة المسلمين في الأرض لتسمى (الأمة الإسلامية)، لاسيما بعد ان فرقتها الاقطار والشعوب. ومن بعد مآثر بعض المسلمين بالعصبيات القومية والقطرية ـ التي غشيهم داؤها من الغرب ـ أصبحوا يتخذون من (الأمة) تعبيراً لما دون أمة الإسلام كافة من أمم ولاء قريب يجمعهم لسان او وطن.
و(القوم) كلمة في القرآن تشير الى من قاموا معاً على شأن مشترك، كالرجال قوامين على النساء مثلاً، او من قاموا على منهج او مذهب حياة معين (قوم مؤمنون) او (كافرون) ، او (فاسقون) او نحو ذلك، او تشير الى جماعة او فئة في قطاع أرضي او اجتماعي او أهلي.
ولكن الكلمة انحصرت في العربية الآن لتعني المجموعة النسبية الثقافية. ذلك أنها شاعت بأثر الفكر الغربي ترجمة من كلمة (Nation) التي أصلها الميلاد، ولكنها تصف المجتمع الذي تلفه من بعد الثقافة. والغريب ان الأدب السياسي العربي الآن يستبدل كلمة قوم بكلمة (امة او شعب) واذا ذهب الى النسبة يلجأ للتصريف (قومية عربية) او يذكر (القومية) يقصد بها ثقافة التوالي والتناصر الذي قد يتنطع نحو عصبية (Nationalism, Nationhood).

الشعب
كما تقدم دائرة من صلة مجتمع الإنسان (تجمع القبائل)، وتفرع عن الأمة كالشعاب المتشعبة المشاعبة المتفرعة من اصل واحد، كشعب الجبال والشجر والطرق وشعب الإيمان وشعب النار. اما في المجتمع فمهما كان معنى الكلمة في القرآن عاماً لشعوب بني آدم المجتمعة كافة، فقد غلبت على كلمة الشعوب قصد العجم دون العرب و(الشعوبية) هي قديماً العصبية العجمية.
والكلمة في الأصول اللاتينية (People)، هي عامة الناس بشتى انواعهم وفروعهم، ولكنها في السياسة اتصلت بكلمة (Demos) وهو الشعب بالإغريقية، اذ اهتدى الغرب بعد الصراعات والتواترات والثورات الى نزع الحكم من احتكار الملوك والطبقات والعصب المتجبرة ورده الى عامة الناس (Democracy). فأصبح الحكم للشعب (ديمقراطية). ومن ذلك انتقلت الى العربية مغازي كلمة الشعب في السياسة فما هو شعبي يشير الى أن الأمر للقاعدة الإنسانية وأن ذلك افضل من احتكاره أعلاها، وأصبح (الأدب الشعبي) و(الجيش الشعبي) و(الحزب الشعبي) و(الحكم الشعبي) و(القائد الشعبي) هو الافضل، والكلمة اصبحت مهما جمعت فروع المجتمع دونها، اذا نسبت او اضيفت تميز شتى الشعوب لاسيما الذين تفرقهم الأقطار والأجناس والثقافات فاتصلت (People) بكلمة (Nation).
ومن الكلمات التي بدت في السياسة في الغرب (The Public)، وذلك عموم الناس علانية دون خصوصية وسرية. ومنها صرفت كلمة (Republic) التي تنسب الحكم للشعب كله لا للخاصة، وترجمت الكلمة إصطلاحاً (الجمهورية). اما في العربية فالجمهور والجمهورية هو (الجمع المتراكم المختلط)، وأخذت الكلمة لتبنى منها كلمة (الجمهورية) دلالة على عموم الناس يحكمونها تحولاً من الملكية، ولو آلت من الناس الى جبروت يزين سلطان دولته بالنسبة لفظاً الى الجمهور.
والأوفق اليوم في المصطلح السياسي ان نحفظ لكلمة (الشعب) الدلالة على مجمع كل فروع المجتمع المتواطنة المتوالية في قطر ذي ثقافة متحدة، مما يجعل مغزاها متى استعملت في سياق السلطة السياسية والثقافة والثروة انها تنحو بذلك الى قواعد المجتمع عامة. اما (الجمهور) فهم اخلاط الناس المتساوون دون تمييز، والمتفتح بعضهم على بعض دون خصوص، فيكون المغزى من وراء المصطلح في سياق هو العلانية والانفتاح لعموم الناس.
اما كلمة (الوطن) فقد كانت في العربية المحل حيث يقيم الإنسان موطناً وطن نفسه عليه، ولو بيتاً معهوداً. ولكن دلالتها ـ اليوم ـ اصطلاحاً تشير الى المقام لقوم على تراث من الثقافة والأعراف والتوالي، وأصبحت روح الوطنية حباً وولاء للوطن (Patriotism) عاطفة منسوبة الى أرض الآباء والتراث. ويمكن ان تبقى كلمة الوطن بتصريفاتها إشارة لعاطفة الولاء للسلف على الأرض.
اما كلمة (الأمة) فيمكن ان تبقى كلمة عربية بمعناها الموسوعي العام، وتتخذ مصطلحاً سياسياً عالمياً، يشير الى وحدة الناس على مقاصد حياة وحضارة يؤمونها جميعاً، فيعبرون بوحدتهم دوائر قربى النسب وراء الأهالي والشعوب والاقوام، ودوائر قرب المكان وراء الجوار والأوطان والاقطار، ويتحرر بها الناس من العصبية للأدنى نحو صلات الأممية الأوسع، ثم نحو الإنسانية الاجمع (أمما متحدة).

الدين والسياسة
الدين القرض اللازم الوفاء غير الحاضر بين من دان واستدان وتداين، والدين العادة اللازمة والقهر والسلطان، ولكل سلطان دين والله هو الديان للخلق، والدين الطاعة والذل لمن يدين ديانة لمن أدانه فملكه او استعبده او سوسه والدين العادة والمدينة الحضر، والدين الجزاء والله مالك يوم الدين.
و(الدين الحق) ما يدين به الإنسان لله القاهر ايماناً بعالم الغيب والأزل والحساب، وراء عالم الحياة الدنيا والشهادة، وإسلاماً وطاعة لشرع الله، وذلا وعبادة له بكل الحياة، لا شركة بعضها لله وبعضها للعاجل والأدنى، ولا إلحاداً كاملاً عن الله الى ما دونه. فكل شعاب الحياة عبادة دينية باطناً من المقاصد والنيات او الخواطر والتأملات او ظاهراً من الأقوال والأعمال في سبيل الوعي والعلم اجتهاداً وتداولاً وثقافة، او في عالم الجمال والفن صنعة ومتعة وزينة، او في سوق المال والمعاش كسباً ونتاجاً وتعاملاً وارتزاقاً، او في ديوان السلطان والحكم سيطرة وشورى وجهاداً، او في خواص الشهوات الزوجية والوالدية والقربى، او في سائر علاقات المجتمع ونظمه تقارباً وتجانباً شعورياً او فكرياً او عمليا.
و(الدين الحق) في السياسة ان الله وحده بكل شيء عليم حكيم، يهدي الإنسان الى الرشد وينهاه عن الضلال والفساد السياسي كما يهديه في مجال الشعائر وسائر الحياة، وأنه على كل شيء قدير رقيب يبتلي الإنسان في السياسة وظروفها ويشهد كسبه احساناً او إساءة كما يمتحنه في كل اوضاع الحياة، وأنه على كل شيء حسيب يوم القيامة يؤتي الإنسان كتابه في كسبه السياسي ويوفيه ثوابه وعقابه مثل سائر عمله. لكن غلبة علم المشهود في المكان والزمان الدنيوي على الإيمان بعالم الغيب والله واليوم الآخر، وغلبة مطالب عالم الشهوات والأهواء ووساوس الشيطان الدنيا العاجلة على رجاء مآلات الآخرة، وغلبة قوة الغافلين عن الدين المهمومين بالدنيا على قوة المتدينين ورؤاهم ـ كل ذلك مرض تتعرض له الديانات بعد ان قامت على الوحدانية فيصيبها الشرك في علوم السياسة ودوافعهم ومقاصدها القوية. وسير أهل الكتاب السابق اليهود والنصارى انهم ورطوا في ذلك الابتلاء والمرض. ثم جاء أهل الكتاب الأخير الخالد ـ القرآن ـ كتابهم يصدق مبادئ التوحيد الأولى للحياة، ويقص مروق الأولين بالسياسة عن الدين اشراكاً وتبعيضاً للدين بأهواء كافرة ظالمة فاسقة {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}. [8][8]
وتواردت المصطلحات الاوروبية في مذاهب المرض (باللادينية السياسية) بعد القرون الوسطى، فشاعت مفهومات (Secularism) (القرونية) و(الزمانية) و(الدهرية)، تركيزاً على عالم الدنيا وظروفها المحسوسة وزمانها العاجل المتقلب المتطور، وانصرافا عن الغيب والأزلية آجلاً وعما يصل الدنيا بالآخرة تكليفاً وبلاء فحساباً ومصيراً، واعتزالاً للتوحيد نحو الكفر بشريعة الله المنزلة الثابتة التي تصلح قيمها الخالدة لكل زمان، ما قام المجتهدون المجددون يخاطبون بها كل طور من الإبتلاءات والظروف الجديدة، وما لم يتجمد تراث السلف ويقدسه الخلف عجزا ورجعية وتشبثاً بالفتاوى والصور القديمة الموروثة، واحتجاباً عن أصول الشرع وهديه المباشر. وشاع مفهوم العلمانية (Laicism) تمييزاً بينت (أهل الغيب الديني) المعنيين بشعائر التعبد والتقديس والترهب والخلوة، و(عموم الناس) المهمومين بمقاصد الدنيا وظروف (عالم الواقع)، وانفصاماً عن (عقيدة التوحيد) ـ أن ابتلاءات الدنيا ومصالحها ومفاسدها على ذات الخط للمؤمنين الذين يستثمرون دنياهم زراعة لحصاد الآخرة ولا يضيعون مصائرهم بالرهبانية، و(الموحد والمؤمن) بدين الحق يصبح (Secular) او (Temporal) او (Worldly) أي (زمانيا) (قرانياً) (دهرياً) ويعنى بوقته وبدنياه، ولكنه يمد عبر ذلك همه وقصده نحو الخلود والأزل والآخرة. و(بالتوحيد) يصبح كل الناس سواء عموماً ان شاءوا وآمنوا يتقدسون ويتطهرون، لا يقلبهم التزهد في الشهوات العاجلة مترهبين منقطعين عن الحياة، والنيات الخالصة تستقيم بالحياة الدنيا لهم جميعاً عبادة وتديناً فلا يختص بعضهم بالتعبد مهنة ليصحبوا وحدهم (Saintly) (موهوبين معتمدين للقداسة) او (Clerical) (طائفة دينية تراثيين).
(الدين الحق) كما لا يميز الدهر الدنيوي عن الأزل، خط وجود متحد لا يميز ولا يعزل العامة من البشر في الأرض الدنيا عن أهل الروح المدعين الازدلاف الى السماء العليا، بل الله اقرب الى كل منهم من حبل الوريد، من آمن ليتزلف الى الله فإن في فطرته أصول التقوى، تتزكى بالعبادة والعمل الصالح في أي من مجالات الدنيا، شعائر ذكر الله او معاملات مجتمع او معاش او سياسة، ولا تتربى بالانتساب لمهنة تدين ورتبة تحتكر الهدى والقرب والوساطة الى الله.
في تاريخ المسيحية الملة التي تنفتح للعالم ولا تنغلق كاليهودية المنتسبة لإسرائيل بن اسحق، والتي ايدها قدر الله الموعود بأن انبسطت لها قوة استكبار معرفي ومادي تؤثر على المسلمين وسائر ملل الأرض ـ في اول ذلك التاريخ المسيحي كانت الخلوة للتعبد في الكنيسة وملحقاتها تتوالى خصوصاً دون الولاء للإمبراطورية الرومانية، التي كانت تفتن النصارى وتقسوا عليهم. ثم آمن الامبراطور طمعاً في كسب الجماهير النصرانية المتكاثرة في رعيته، وقام في الارض مركزان للقوة والولاء (كنيسة) و(ملك) ـ كل يشرع الأحكام ويجبي الأموال، (الكنيسة) تدعي الخلافة عن الله في ذلك على المؤمنين الراغبين الراهبين، و(الامبراطور) يعول على قوة المادة والعرف ورهبوتها. وبعد عهود التحالف والتناصر بين الشرعيتين بدأت الغيرة تدب وتصطرع القوتان ويسخر الملوك قوتهم جنداً ومالاً وعرفا يهزمون الكنيسة.
ولما كانوا لا يعرفون الدين الا بواسطة الكنيسة فان عزلها ادى بهم الى عزل الدين وأمر الله. وحيثما ثارت طبقات برجوازية حضرية وسطى ناهضة بالمال والتجارة والصناعة ـ ثارت على الملوك والاقطاع (الفيودالي) ذي الثروة العقارية والرئاسة التقليدية، وكان الملوك والاقطاعيين والكنسيين حلفاء حياة اعداء للثورة، فأبعد الثوار دين الكنيسة ولم يفلحوا في استبداله بين ثوري حر. ونهضت القوى الاقتصادية الوسطى تريد ان تعلوا بشهوة المال على حق الكنيسة والدين، وانتصرت المادية على الروحية. ونهضت في مجال الثقافة الموازي القوى العلمية على فتاوى اهل الدين التقليدية الواهمة، وتحررت روح الوعي الجديد والعلم التجريبي والعقلانية على السمعيات والغيبيات والروحانيات، ومرقت الفنون كذلك. ولذلك تأكدت الروح الأشتراكية المنفصمة بالسياسة والسلطان عن الدين، الا بآثار بقية التقاليد والضغوط الكنسية، وكان ذلك الطلاق احياناً صريحاً عقيدة وعملاً، واحياناً واقعاً قاطعا يحفظ بعض رمزيات وشعائر وظلال من التدين الكنسي.
وفي تاريخ الأسلام بعد الخلافة الراشدة الشوروية للمؤمنين التوحيدية للسياسة والحياة العامة، غلب الاستبداد والاستلاب مع بقية من شعار الخلافة، وخرج السلطان والسياسة من احكام الشريعة نظماً وعلاقات وحدودا وأخلاقا، بينما حفظت الشريعة في مجال الشعائر للمجتمع والمعاملات الخاصة للمجتمع. وشيئاً فشيئاً خرج المجال العام للحياة على أحكام الدين بالحيل الفقهية والغفلة ودفع المادية، وخرجت من الدين العلوم بأشياء الطبيعة، وتخلف وبقي العلم المنقول عن هدى الوحي والسنة، وبدأ يتعطل فيه الاجتهاد ويقتصر على الموروث. وخرجت الفنون في متعة الاصوات والاشكال بغالبها عن مدى التدين.
وهكذا غاب التوحيد المتكامل ودخل الشرك وتباعدت السياسة عن الشريعة، لا في صلب البنى لدولة الاسلام منذ آخر صوره وحسب، بل حتى في تجارب السلطان الاسلامي في أقاليم العالم الاسلامي المختلفة، وحتى في نهضات توحيدية لاحقة بدأت تشمل السياسة، ثم أخذ السلطان بنظمه وأعرافه وأحكامه يتباعد عن تعاليم الشرع حدوداً واخلاقا.
وقد بدأت قديما منذ العهد العباسي ظواهر للتمايز بين (الخليفة) رمزاً للدين و(السلطان) قيادة سياسية دنيوية للأمر العام، وكادت ان تروج تلك الظواهر مذهباً متمكنا لازدواج الحياة تدينا اصوليا وسلطة واقعية. ومع غشيان النفوذ والوقع الاستعماري تأكد فراق التدين والسياسة، لان الولاة الغربيين على المسلمين فرضوا تجربتهم مع المسيحية بدعوى الفوقية، ولأنهم حرصوا على إطفاء نور الإسلام السياسي وخطره على الاستعمار وروح العزة فيه والجهاد والأمة. وقام بعض الحمير [9][9] التي تحمل اسفار العلوم النقلية وبعض القرود [10][10] التي تقلد الغرب روحا وصورة يدعون صراحة لمثال الغرب السياسي اللاديني وينشرون مصطلحاته مترجمة.
واخيرا ظهرت نهضات صحوة وحركات توبة الى التوحيد ان الاسلام قوة تدين شاملة، ينبغي ان تعبر عنها نظم الحكم وحركة السياسة. وعند ذوي المذهب الشيعي ارجاء لظهور الامام المعصوم قامت نظرية ولاية الفقيه للأمر العام خلافة للإمام وفي واقعهم حكومة شوروية تتوازن فيها نظم السلطان وفق الشريعة على المذهب الخاص. وفي عالم المذاهب السنية قامت محاولات لم تتكامل، وقام السودان دولة مثالها دولة التوحيد الشرعية. ولكن التوحيد ضد الاشتراكية او اللادينية السياسية لا يتم واقعاً وينحسم صدقاً بقيام دولة مبدأها الاسلام، لان بلاء الفتنة بشهوات السلطات مع بؤس الفقه الحاضر بالأحكام والتجربة الراشدة، واحاطة النفوذ العالمي للمادية واللادينية السياسية، ذلك يستدعي سعياً متجددا وصبراً.
وكما اوصى القرآن لابد للذين آمنوا حيناً ان يؤمنوا من بعد وللذين اتقوا وعملوا الصالحات ان يجدوا التقوى والعلم الصالح فالتوحيد السياسي قد ينخر فيه سوس الوسواس ان لم يتجدد ويتأكد وتنسد فيه كل ثغرة طارئة وتشفى كل علة عارضة، قد تزلق المجتمع نحو اللادينية السياسية. فكل لحظة وكل حركة في الحياة ابتلاء جديد، حتى يأتي الناس اليقين موتاً في الدنيا وعبوراً الى يوم الدين وداره.

الشريعة وأصول الاحكام والفقه السلطاني

ان التطور الذي غشي الغرب من الدين الشامل للحياة الى عزله عن الحياة العامة والعلم الطبيعي شهد مراحل، اولها ان تسمى (الدولة) (Theocracy) وذلك حكم الاله باللغة الاغريقية، وانما تحكم فعلاً الكنيسة بقساوتها باسم الله. ذلك ان المسيح ـ عليه السلام ـ عاب على حملة شريعة التوراة من بني اسرائيل الجنوح للظاهرية تنطعاً وحيلاً، ودعاهم للاخلاص الباطني والصدق. ولكن النصارى اتخذوا ذلك نسخاً لقانون التوراة وابتدع اهل الدين احكاماً يتخذونها، {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} [11][11] يحرمون لهم ويحللون وتسمى تلك النظم (Canons) (كانون ، قانون) وهو قانون مهد له الأصل الالهي. وبعد مروق القانون من سلطان الكنيسة الى الملوك الثوار والشعب، ومن الدين والعقيدة الى الطبيعة والفكر، بقيت آثار خلقية في الفقه الخلقي تسمى (الاحكام الطبيعية للعدالة) (Natural laws of Justice).
اما في الدين الاسلامي الذي جدد التوحيد في التراث الابراهيمي فقد عمت فيه بنصوص القرآن كلمة (الشريعة) ومن اصل الكلمة العربي منه (المشارع) وهي الموارد الى المياه الجارية للاستقاء، و(الشروع) هو الخوض والدخول في المشرب، و(الشرعة) و(الشريعة) هدف الدين والملة، و(المنهاج) طريقه الناهج اليه سبيلاً، و(شرع) فعلاً تعني اظهر سنة تقرب الى الغاية، وفتح باباً الى الطريق، و(اشرع) الأشياء فهي شرع مرفوعة.
(فالشريعة) ما يشق مسلكاً لكل مشاعر الدين ومظاهره، وهي اصلاً شاملة للهدى بكل الحياة: احوال الوجدان وباطن القلوب ومذاهب الاقوال وطرق الافعال الظاهرة دينا حقاً، شرعه الله هدياً لكل الانبياء. ولما كانت كل الديانات تتعرض بمفارقة من التوحيد الى تباين بين الباطن والظاهر، فقد اخذ المسلمون بعد العهد الاول يميزون بين العقيدة والشريعة، وانما الشريعة تشمل العقيدة الباطنة والايمان {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون} [12][12]. و(الشريعة) ـ كذلك ـ الاحكام الظاهرة {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة}. [13][13]
وفي العهود الاخيرة اصبحت كلمة (الشريعة) تعني الاحكام القضائية لا الخلقية، واصبحت التكاليف التي تنفذ بقوة السلطان السياسي هي (الشريعة)، وترك باقيها اطلاقاً لأهل التهذيب والتصوف، واصبحت مدارس الشريعة تقتصر على احكام الظاهر القطعية المناسبة للنفاذ قضاء وسلطاناً سياسياً.
وقد جرى لأصول الاحكام في الدين تطور يحكي تهور بناء المجتمع الديني التوحيدي. ذلك ان المشهود في (اصول الاحكام) هي اولاً: (الكتاب والسنة)، وحياً منزّلا وبياناً من الرسول (ص)، ثم (الاجماع) وهو رأي المسلمين بسوادهم العام، وحذف من الأصول حكم من يتولى (الأمر السياسي). ولئن كانت الآية توصي: {يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [14][14]، فان الفقهاء الذين حرروا (علم أصول الاحكام) (وهي الاوامر الملزمة ـ او اصول الفقه ـ وهي الافكار) الهادية أهملوا (أولي الأمر)، لان الواقع بعد الخلافة الراشة انحدر بالأمر العام من الخلافة الراشدة المختارة بالاجماع وفق الكتاب والسنة والشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الى الاستلاب للسلطان والميراث بالقوة. ولئن جاءت ولاية الأمر غير مشروعة فالفقهاء يوصون بالطاعة تقديراً لضرورة درء خطر الفتنة. ولو استقامت الولاية السياسية العامة للسلطان في تاريخ المسلمين لكن (امر) اولي الامر هو (اجماع جماعة المؤمنين) {وأمرهم شورى بينهم} [15][15]، او ممثليهم (أهل الحل والعقد)، او أوامر من يولونهم (مناصب في الأمر العام) ـ كلها اصول احكام ملزمة مرتبة وفق الدين. ذلك ان (الكتاب والسنة) هي (الشريعة العليا الحاكمة)، يستنبط منها فرعاً ويخضع لحكمها (الاجماع) لقرار الجماعة، ثم يستنبط من (الاجماع) بالخيار ويخضع له بالقيد والشرط والرقابة حكم (ولاة الامر السلطاني العام)، الذين يترتبون حسب مناصبهم في النظام الذي يعده المجتمع، فالأدنى منهم تحت الأعلى وكلهم تحت (الاجماع) وهو تحت (الشريعة).
وبالمصطلح الحديث يمكن ان نقصر كلمة (الشريعة) على (الكتاب والسنة)، وهي اقرب لكلمة الشرع وهو الدخول والإظهار الاول. ثم يمكن ان تستعمل لوظيفة (الاجماع) كلمة (تشريع) وهي صرفاً من التفعيل وهو التفصيل والتفريع في الافعال. و(الاجماع) انما يفصل (الشريعة) ويفرع تطبيقها على الواقع اهتداء (بالاجتهاد) ومناهجه (قياساً) و(استصحابا) و(استصلاحا) ونحو ذلك.
ويمكن استعمال كلمة (امر) للحكم الذي هو اقرب للحالة الفردية واشبه باحكام اولي الامر حسب رتبهم. ويمكن استعمال كلمة (قانون) اليونانية اشارة لكل الاحكام بشتى مستوياتها، شرعاً وتشريعاً تأسيسا (كالدستور) وما يتولد من اجهزته التشريعية، و(امرا) مما يصدر عن سلطان التنفيذ والقضاء، وتغطية لما يسمى اصطلاحاً (لائحة)، وهي من لاح أي بدا طرفا، وتعني احكاما فرعية بدت الحاجة لها عند العمل بالأحكام الاعم.
ويمكن استعمال كلمة (لوح) وهي بالعربية الفصيحة العريضة ، وكلمة (متن) وهو عربياً الصلب الظاهر الموصول، او (مدونة) وهي المادة المسجلة من صحائف مكتب الديوان، وذلك اشارة لما يسمى باللغة الغربية (Code) ويجمع كل الاحكام لشعبة من شعاب الحياة في الجنانات او المعاملات. والمعاملات تسمى احكامها المدونة (الاحكام المدنية والقانون المدني). والكلمة (مدني) في العربية من الإقامة والحضر والنسب اليها، والمعاملات هنالك اكثف، لكن الانسب في العربية في بيئة الاسلام ان نقصرها على كلمة (المعاملات)، لانها انواع من التعامل والتعاقد الرضوي غير الفعل الجنائي مع الآخرين عامة. اما مدونات الأحوال الشخصية كما سميت في كثير من البلاد فهي ترجمة بغير تصرف عن المصطلحات الغربية، فالأجدى ان تسمى الاحكام هنا (للاسرة)، وتسمى المحاكم كذلك (للمعاملات) و(للاسرة) لا مدنية ولا للاحوال الشخصية.
ويمكن ان تستعمل كلمة (الفقه) وهي اصلاً الفهم العميق عمق مخارج حروف الكلمة من الشفة الى الحلق، وكانت تعني الاجتهاد والفكر العميق لبلوغ مغازي الظاهر فقهاً لآيات الكتاب في أحكام الدين {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون} [16][16] او فقهاً لآيات الله الطبيعية {قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون} [17][17] {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [18][18]. او لآيات الله عامة {ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} [19][19] أهل الكتاب {بأنهم قوم لا يفقهون} [20][20] المشركون، او فقها يبلغ مقاصد خطاب الدعوة {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول}. [21][21]
ويمكن ان تستعمل كلمة (الفقه) منسوبة الى السياسة او السلطان فيقال (الفقه السلطاني) او يقال (احكام السلطان)، كما عرف قديماً ـ وذلك بدلاً عن عبارة (القانون الدستوري) الحديثة المأخوذة شقاً من الغرب (اليونان): (قانون)، وشقاً من الشرق (فارس): (دستور) ـ كلمة اصلها يشير الى محور رعاية الدين او السلطان او وقع المفروض على الناس.
وفي عهد بناء مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كان (كتابها) هو ما تواضع عليه أهلها بكل طوائفهم عهداً لنظام سلطانها ووظائف قواها وعلاقاتها. والآن (الدستور) تعبير عن الاجماع الموثق كتابة وعرفاً، الناتج عن شورى كل المجتمع او ممثليه لبناء سلطانه ـ حدود حريات وحرمات وحقوق في الحياة العامة، وبنيات اجهزة للحكم ومدى سلطانها، وآجال ولاتها تشريعاً وتنفيذا وقضاء وغير ذلك. وحيثما اقتربت من البنية الدستورية التشريعات تسمى (قوانين تأسيسية) (Basic Laws).

الحرية والحرمات والواجبات الأساسية
ان الارادة الطلقة في العربية هي (المشيئة) {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [22][22]، وقد كانت (الحرية) قديما كلمة تقابل (الرق). ولكن زوال الرق ظاهرة اجتماعية، بسط كلمة (الحرية) اصطلاحاً للمشيئة المطلقة. والله بمشيئته قد خلق بني الإنسان احراراً تميزاً عن اشياء الطبيعة الأخرى، بل عن جسدهم البشري حيث الخضوع لقوانين طبيعية سنها الله الزاماً، اما الانسان في تفكيره وشعوره وتصرفه فهو يحمل أمانة الحرية: ان يعبد الله مع الوجود العابد او يشذ كفرا، فينتهي في الآخرة الى سلام وسعد في الجنة او شقاق وشقاء في النار.
ومن ثم له في النظام السياسي في وجه قوة السلطان مجال من الحريات الأساسية المتصلة بعلاقات بنية الحكم، فضلاً عن العلاقات الاجتماعية: له ان يذهب مذاهبه ويعبر ويوالي ويعاقد قوى السياسة الجماعية، ويختار ويحاسب من يلي السلطان. وله (حرمات): ألا يكبت بقهر السلطان او يحرم في خصوصياته وحركته وحياته. وله (حقوق): ان يتمتع بحرياته وحرماته، والا فان له ان يدافع عنها حسب عدوان التسلط والجبر السلطاني، حجة بحجة او تجبراً بثورة.
وقد اصبحت اليوم بعض المصطلحات غائبة في العربية الدارجة (كالحرمات والحصانات). ولما غابت المساواة في مجتمعات تحصن فيها ذوو السلطة والأمر عرفت كلمة (الحصانة)، لكن الدين يكتب التواضع والمساواة في مجال السلطان، وانما (الحصانة والحصانات المشروعة) للجميع. واندرجت اليوم كل (الحرمات) في كلمة (الحقوق)، اذ اصبح الوجود الانساني في الفكر المادي السائد منسوباً لذاته، فللإنسان قدر فحق أعلى من كل قوة، واشتهرت لذلك عبارة (حقوق الانسان) . واذا تذكرنا اصول الحياة الدينية لحفظنا نسبة الانسان الى ربه الاعلى، ولراجت كلمة (المشيئة والحرية والحرمة) ازاء علاقاته الافقية بإخوانه من بني الانسان الذين قد يعتدون عليه ظلما في مجال السياسة او المجتمع، ويمكن ان ترد كلمة (الحق) في تلك العلاقة الافقية الانسانية. ولكن اذا تذكرنا صلته بالله القوي العزيز تعالى لعلمنا انه على الانسان (واجباً) من التكليف يقع عليه ان يؤديه بممارسة حرياته والتمتع بحرياته، واجبات دينية يمكن ان تترك تكليفاً خلقياً روحيا، او تترجم تكاليف بشرية على التفريط فيها جزاء بأحكام قانونية، كمن يكلف ولا يشارك في انتخاب من يفضل لولاية الأمر العام مثلاً فتنزل عليه عقوبة جزاء.
ولا حاجة هنا لايراد آيات القرآن الكثيرة التي توصي القائد ولو كان نبياً او يكون مذكراً لا مسيطراً ولا جباراً، وان يترك كلا يعمل على حريته ومكانته وشاكلته ويجادل بمقولاته ويتمتع بحرماته ولو كفراً او نفاقاً. وجملة السنة في بناء دولة المدينة كلها ان يقوم البناء السياسي على هذه (الحريات والحرمات والواجبات) التي يرعاها المؤمنون ويضيعها من شاء من المنافقين والكافرين، المواطنين. شواهد الآيات والاحاديث والروايات في ذلك لا تكاد تحصى مهما كان فقهها وجمعها مما افتقر اليه تراث مجتمع المسلمين الذين ضيعوا (الحرية) لاسيما في مجال السلطان حيث عهدوا الجبروت كثيراً.
وفي الحياة العامة السياسية وغيرها يظهر في لغة الإسلام ـ حقاً وتكليفا ـ (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) فذلك هو التعبير عن الوظيفة العامة لعلاقات المؤمنين {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [23][23] وذلك خلق أمة المؤمنين {ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [24][24] {كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}. [25][25]
اما حق الفرد وتكليفه فيمكن ان يندرج في الساحة السياسية في كل عبارات الدعوة فيكون المؤمن داعيا للخير بشيراً، نذيراً، صادعاً بالحق، شهيداً، مصلحاً، ناصحاً، وهي معان تذكرها او توحي بمقتضاها كثير من الآيات والاحاديث.
والخلق العام في الحياة السياسية اذا دعت الفرد مقتضياته ألا يستغني بالنصيحة، او أن لا يكتفي بالشهادة وحده في اختيار من يلي الأمر العام، او محاولة دفعه للخير او ضبطه عن الشر، او ان لا يعني بإلقاء الرأي الفرد سهماً في شركة الشورى ـ الخلق عندئذ او يؤثر طوعاً التعاون مع من يوافقه في وجهة النصيحة والشهادة والرأي حتى يكون لذلك وقع ذو بال في حركة المجتمع السياسي، وعندئذ تنعقد موالاة وينحزم تحزب او تتألف قوة في تفاعلات السياسة.

التوالي والتحزب وقوى المجتمع
التساند والتناصر في صراعات الحياة العامة السياسية، تسري عليها كلمة (التوالي) والتفاعل تعريف افقي للتساوي والتشارك، اما (الموالاة) وهي مفاعلة فهي ايضاً بمعنى الصلة الناصرة، ولكن قد تكون رأسية فالله مولى العباد، والتابع مولى، والمتبوع في المجتمع مولى، والمؤمنون يتوالون في كل شيء، ولكنهم كذلك في السياسة بعضهم اولياء بعض {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [26][26] {وإنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [27][27] وفي العلاقات الخارجية يتولى القوم قوماً ولاء او يعادونهم عداء.
و(الحزب) في القرآن كلمة تعني الترابط المنظم، لكنها عامة قد تشير الى بعض جزء من آي القرآن، وقد تطلق في شأن الإنسان فتشمل التناصر في مذهب كل الحياة، يحزب الناس ويربطون كل امورهم. وقريباً من ذلك ينشأ التحزب السياسي مدافعة في صراعات الحياة العامة (حزب الله) و(حزب الشيطان): {استوحذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله اولئك حزب الشيطان ألا ان حزب الشيطان هم الخاسرون ان الذين يحادون الله ورسوله اولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ان الله قوي عزيز لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا اباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون} [28][28] ومن ذلك احزاب التحالف الحربي {يحسبون الاحزاب لم يذهبوا وان يأت الاحزاب يودوا لو انهم بادون في الأعراب يسألون عن انبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلاً لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ولما رءا المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايماناً وتسليماً}. [29][29]
لكن المصطلح السياسي العربي الحديث طبعته الترجمة من اللغة الاوروبية بقصر كلمة (الحزب) على الرباط السياسي المنظم، وذلك من كلمة (Party) جزءا من المجتمع السياسي.
اما سائر اشارات القرآن فهي زبر وفرق وطوائف وما بينها في العلاقات السياسية من ائتلاف وتحالف او تنافس وصراع، وفي عبارات القرآن بشأن علاقاتها كلمات (المودة والموالاة او الخصومة والمدافعة).
وقوى المجتمع التي تعمل في السياسة منها ما لا يتوثق بنظام مصوب نحو مقاصد السياسة اساسا، بل تتعاون على شأنها الخاص وتعمل في السياسة، ومنها بعد العهود الاولى طبقة (العلماء). وذلك مصطلح تاريخي نشأ وصفاً لمن يتخذون النسبة للعلم الديني التراثي النقلي مهنة حياة، وليست بالضرورة اليوم موافقة لمعناها في القرآن ممن يحملون العلم بحق مرويات الدين (او لم يكن لهم آية ان يعلمه علماء بني اسرائيل). او معقولات الطبائع والوقائع لما خلق الله {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك انما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور} [30][30]، وكل هؤلاء بالطبع خبراء لرأيهم وزن في السياسة، يؤثر على الولاة وعلى جمهور الرأي العام. ومن القوى السياسية (النقابات) التي تمثل في أصل المصطلح الصفوات الكريمة ذات المناقب ومنها (نقابة الشرف النسبي). واليوم هي المقدمون المتعرفون احوالهم ممن تمثل روابط المهن والمصالح ويدافع عنها. ومن قوى المجتمع (جماعات الضغط السياسي)، وهي تجمعات تتناصر بقوتها في المجتمع وتصوب حملتها للتأثير على وجهة السياسة العامة في سبيل قضية او تيار او مذهب عام.

توقيع : mr mohamed zakaria




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mr mohamed zakaria
المدير العام ADMIN
المدير العام ADMIN
mr mohamed zakaria

عدد المساهمات : 10378
الدولة : المصطلحات السياسية في الاسلام Egypt10
المهنة : المصطلحات السياسية في الاسلام Counse10

المصطلحات السياسية في الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: المصطلحات السياسية في الاسلام   المصطلحات السياسية في الاسلام I_icon_minitimeالجمعة يوليو 17, 2015 5:22 pm

الشورى والاجماع والعرف والرأي العام
شار معناها عرض، الشارة والشورة المظهر والصورة، والاشارة الايماء الى الآخرين، والمشاورة والمشورة التناصح، والاستشارة (طلب الرأي) والشورة الشركة بالآراء. و(الشورى) في القرآن هي النهج اللازم لأمر المؤمنين العام: {والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم} [31][31] وأوصى الرسول (ص) حتى في التدابير العسكرية ان يدير الشورى لجمع الرأي {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين} [32][32] وبحرف الترتيب (الفاء) اصبح العزم والقرار نتيجة (الشورى) وليس عزماً مستقلاً مستبداً يرد مضافاً (بالواو).
وقد تعطلت (الشورة) وظاهرة (اهل الشورى) التي كانت في قيادة سلطان المسلمين الرشيد، ولذلك اصبحت كلمة الشورى كأنها ندب اخلاقي في قرارات السلطان او في علاقات المجتمع. ولكن هي بالحق: منهج ينتهي بعد تداول الرأي الى القرار (بالإجماع)، وهو مصدر وأصل لتكاليف الاحكام في الدين بعد الكتاب والسنة، من حيث تستوحي (الشورى) استنباط الآراء. و(الاجماع) ليس هو قرار الجميع ايجاباً على رأي واحد، ولكن هو في العربية ذلك الوفاق الشامل عدا لكل المتشاورين، او قرار السواد الأعظم. وروح الدين لا تناسبها كلمة الغلب والصراع (الاغلبية والاقلية) لان المؤمنين متى احسوا ظهور رأي (سوادهم الأعظم) ـ بعد تقليب الحيثيات المتداولة المتفرقة ـ تنشرح صدورهم ويقومون جميعاً على ذلك الرأي. (فالاجماع) هو احكام النية والعزيمة عندئذ، والمؤمنون اذا اجتمعوا للشورى يجتهدون ان ينتهوا الى وفاق لا يشذ عنه أحد. ولكن عجلة الامور العامة احياناً قد لا تيسر تأخير القرار ومطل المداولة، بل تراعي التحفظات البادية، ويبرز ما يقرب من جماع للأصوات، لا يغلب بنصفها زائدا قليلاً، بل يرجح لوفاق السواد الأعظم، مما يدعو للخروج من (الشورى) بروح العزيمة المتحدة دون شذوذ واسع، يثاقل بطائفة مقدرة في ساعة جمع الطاقات للتنفيذ.
و(الاجتماع) قد يصدر قراراً بينا عن (الشورى) في جلسة او دائرة تدبر لتبادل الرأي والمناظرة الصريحة، ولكن قد يصدر ـ ايضاً ـ من سنة يتوافق عليها المجتمع. في عهد من اتساق السلوك والتصرف العام، يتجلى عنه ما هو (المعروف) يرضاه سواد الناس يعرفونه حقاً من نص القرآن والسنة ومن الأمر المستنبط منهما المعهود بينهم، ويمضي سنة وتكليفاً تحرسه جزاءات تقع من المجتمع، او ما هو (المنكر) يأبونه لانه مما تنكره وتنهى عنه الشرائع وفقههم لها ويحيطونه بعقوبات تمضي على من يأتيه. وذلك هو (العرف) وهو (اجماع سكوتي سلوكي بخيار عامة الجمهور)، ويحمل تبعات التكليف حمدا على المرضى واذى على المكروه، ولكنه حكم ينسخه نص التشريع الصريح او تقادم العهد وتبدل مذاهب السلوك العام.
واذا عمرت بين الناس وسائل الاتصال وتكثفت العلاقات حضراً وإعلاما، فقد يظهر من (استقراء الرأي العام) بالملاحظة او بالسؤال والجواب المعدود رأي لغالب الجمهور لم يتمثل في قرار لأولي امر السلطان، او مسلك لهم وزنه المقدر لكنه لم يترسخ عرفاً لازماً. والآراء والعادات العامة ـ مهما كانت ـ اخف وقعاً من قرارات (الشورى) في مجالس ودوائر ذات حجة لازمة في النظام المعهود المرسوم، ومن انعقادات (العرف) في بيئة معينة.
واذا كانت النظم القانونية السياسية الوضعية لا تعرف في بينها الثابت وقطعيها المعلوم وظاهرها المرسوم، الا تكاليف محدودة ليس فيها الا المحظور الباطل المعاقب عليه والواجب الحق والمباح الحر المأذون المعصوم ـ اذا كان ذلك كذلك ـ فان نظام الإسلام (متكامل) يعرف حدود (الحرمات) و(الفروض) و(المباحات)، ولكنه يبسط التكاليف الى كل درجات الوقع (بالمكروه) دون الحرام والكبيرة، و(المندوب) دون الواجب والفرض، وتمتد درجات نسبية لكل المدى. ومنها تكاليف دينية يرعاها المؤمن من تلقاء ضميره لان الله يراقبه فيما يخفي ويعلم بنياته مهما استتر الامر عن الناس، واخرى تقع من تلقاء المجتمع اخلاقاً وآداباً مدفوعة بحملات الترغيب والترهيب معروفاً ومنكراً، واخرى محروسة من تلقاء السلطان والقضاء. فالنظام السلطاني السياسي في جملته حياة مركبة من هيئات وقوى وعلاقات متكاملة بتلك النسب من وجوه النهي والأمر والجواز والباطن والظاهر، واثره لذلك اصدق وافعل من أي نظام آخر يشيع فيه النفاق والمراءاة والحيل القانونية وتتعطل هياكل الحدود لأن هوامشها واعصابها الخلقية تموت فتنهي مغازيها وتصير صوراً بغير معان.
و(الشورى) منهج حياة في أيما علاقة اجتماعية او سياسية يصلها وضع وشأن مشترك: اسرة كانت او شركة مال او ناد لهم واحد او رابطة توال على هم واحد، او قطر جوار او رعية راع او وطن سلطان واحد. و(الشورى) بين بني الإنسان الأحرار فطرة وشرعة وخلق طيب، لكن حيثما كانت الرابطة طوعاً غير مفروضة والشأن عفواً غير واجب (فالشورى) تعاون لا يثمر تكليفاً لازماً، لكن الأمر المشترك قد يجعل طلبها خيراً، فهي (استشارة) من شاء سمع ومن شاء تجاوز، وقد يكون امراً عاماً و(الاستشارة) والسمع لهديها أولى. وقد يكون الأمر مما يترتب عنه منع او تكليف بقوة السلطان، و(الشورى) عندئذ (بالشريعة) اجراء واجب، واتباع ما تجمع عليه الآراء طاعة واجبة والكلمة المقابلة بالانجليزية (Consultaoion) فيغلب استعمالها في وقع طلب الرأي العفو.
و(الاجماع) كانت كلمة ولم تكن مصطلحاً على ما تنتهي اليه شورى المسلمين في الأمور العامة التي تنتهي بالتكليف السلطاني. ولكن الكلمة عهدها ائمة الفقه (إجماعاً) لفقهاء البيئة العلمية حولهم (الإمام مالك مثلاً)، او لكل المجتهدين في امة الاسلام، (الامام الشافعي مثلاً) وحسبه بعضهم اتفاقاً لا يشذ عنه احد (المتأخرون). ولما تعسرت (الشورى) و(الاجماع) بين الفقهاء بهذه الصورة اصبحت كلمة (الاجماع)، حجة فقط على من يخرج برأيه عن المعهود المشهود من الفتوى. فالفقهاء عدوا أنفسهم ممثلي جمهور المسلمين في الرأي والشورى وكانوا يأخذون اجتهادهم مما عليه المؤمنون وعملهم في الواقع.
وما كان الاجراء الشورى في الشأن السلطاني في حياة المسلمين العامة الاولى الراشدة نظام، ينظم شورى المسلمين جميعاً او ممثليهم من ذوي الفقه كانوا او من ذوي القيادة، وكانت عبارة (أهل الشورى) تبدو صفة عامة لا تضبط أعيان الموصوفين بأسمائهم وعددهم وهيئاتهم. وكذلك ظهرت من بعد عهد السنة والصحابة عبارة (أهل الحل والعقد) وهي الفئة القيادية التي تحل المشكلات وتعقد الرأي حول الشؤون العامة وتجتهد وتستنبط الالتزامات العامة الواجبة الوفاء، وما كانوا معدودين أعياناً. واذ لم تمتد روح (الشورى) في السلطان بين خلف المسلمين بعد الخلافة الراشدة، ما كانت لتتطور اوضاع ونظم مرتبة.
والنظم التي لا تعرف (الحرية) و(الشورى) لو تسمت (خلافة) على غير الرشد الأول، فهي اما حكم فرد جبار (Autocracy, Moncracy) او طاغوت فرداً فردا او عصبة غالبة مطلقا (Tyranny) او حكم يحتكره رجال الدين (Theocracy) او الإقطاعيون والمترفون (Aristocracy, Plutocracy) او الديوانيون (Bureaucracy).
و(الشورى) بالطبع لا تجعل للسلطان ذراعاً تمتد للأمر في كل شؤون الحياة لانها تقوم على الحرية، التي تخص الناس ببعض شؤونهم وتحصر الشؤون والوظائف العامة مواطن (الشورى) والأمر اللازم) لمن يلي ذلك، والا فالنظام سلطان (شمولي) (Totalitarian) او (مطلق) (Absolute).

العهد والعقد السياسي
(العهد) في الحياة العامة هو التكليف الذي اوصت به امانة رباط ووكده التزام علاقة عبر الزمان بين العاهد والمتعهد. عهداَ من الله او من بعض الناس على بعض، واجب الحفظ والرعاية والوفاء لا يجوز نقضه او نبذه. و(العقد) نقيض الحل (وصل الطرفين كعقد البناء) وهو (العهد المغلظ المبرم المحكم) بين أطرافه من بني الانسان، في ايجاب او عرض، ثم قبول في عقد نكاح او بيع او معاملة او عقد علاقة سياسية، وحقه ان يوفي لا ينقض. و(الميثاق) كذلك عهد شد ووثق واحكم بالكتاب والشهادة او نحو ذلك من العهود، وحقه ان يوفي ولا ينكث والكلمة المقابلة بالانجليزية في السياسات (Convention) او في الماليات (Bond) او عموما (Contract).
و(العهد العام) المتواصي به في الحياة السياسية، المبرم (عقداً) بين السواد الأعظم للجمهور، المشدود (ميثاقاً) قد يكتب فيصبح بمصطلح العربية (كتاباً) او الفارسية الشائعة عربياً (دستوراً) وهي الكلمة المقابلة للغربية (Constitution) وهو البناء الأساسي للدولة.
ومن كلمة (العهد) العربية انشئت عبارة تقليدية غير مشروعة المعنى وغير معهودة في أصول سنة الإسلام النبوية الاولى ولا عند خلفها الراشد: (ولي العهد) وهو الذي تتولى الرعية الالتزام نحوه عبر الزمان ان يخلف سلفه يتولى السلطان. وقد اخذ اهل الغرب مصطلح العقد من فقه سلطان المسلمين ومفهوم (البيعة) وأسموه (العقد الجماعي)، وأسسوا عليه مفهومات الديمقراطية من تعاقد المجتمع مع سلطنة ولاية الأمر العام.
وقد سمي هذا العقد مع ولي الأمر عيناً (البيعة) في مصطلح الاسلام، و(البيعة) واحدة البيع، عقد معاوضة كالتجارة في معاملة عطاء بعطاء، وهي في الحياة الدينية عقد مع الله: عقيدة ان تسلم كل الحياة لله طاعة وعبادة بالنوايا والاقوال والافعال وعطاء بالماء والروح مقابل الجنة والرضوان في الآخرة {ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [33][33] وذلك بمصطلح القرآن المتواتر شراء واشتراء وبيع وتجارة لا تبور، وهي (بيعة) عقد مطلق لكل الحياة. اما مع النبي (ص) الذي يصله بالله الوحي يفوض اليه الشهادة عند الله مهدياً مقوماً، (فإن البيعة له مطلقة تشمل كل الحياة لأداء كل تكاليف الدين)، ولكن لا تقتصر معاوضة (البيعة) على النبي (ص) فهو لا يملك ما يقابل عطاء الدنيا عطاء الآخرة فان البيعة له شكلاً وظاهراً ليست الا بيعة لشهادته الله، ولو كانت صفقة تؤكدها صفقة الأيدي فهي رمز كأن العقد يصل يد المبايع بيد الله {ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجراً عظيما}. [34][34]
اما مع البشر فقد تكون (البيعة) عقد تجارة ومعاوضة او مقايضة سواء، سلعة او مقابل مال او سلعة. اما اذا كان الامر (عقد حكم) بين رعية وولي سلطان فالمقابلة فيه: التزام طاعة من المولى لأمر السلطان بالتزام طاعة للعهد الواقع على (ولي الأمر)، و(العقد) بينهما قد يكون لأجل مسمى وشروطه تكون بينة، ما يملك الولي من السلطان بأجله بحدوده موضوعاً وشكلاً، اذ ليس له كالله العلي سلطان مطلق. والأفضل ديناً مثل عقد الدين ان يكون التعاهد مسجلاً كتابة ومشهودا والأجل مسمى والبيان غير مبهم لصغائر الاحكام وكبارها، وذلك كما جاء في آية الدين من البقرة، والمعهود اليوم ان يحرر ذلك العقد بأجله وشروطه في (عهد) (الدستور) ثم يقع عيناً على من ينتخب بالشورى حسب اجراءات (الدستور).
وقد كانت (البيعة) في الخلافة الراشدة على شرط التزام الشريعة والسنة صدقاً، ثم تدهورت وأصبحت ادعاء، ثم تدهورت (البيعة) لتعني الطاعة المطلقة لشيخ صوفي، او (البيعة) في الولاء لأمير جبار بغير شرط او التزام مقابل. لكن حركات الإسلام المتجدد جددت (البيعة) لا لأحد بل توالياً بين الجميع على المنهج الديني، بأمر التنظيم المؤسس الذي يحزبهم، ومن ثم هي (عقد ولاء وطاعة) للجماعة في سبيل (بيعة) لله عبادة وجهاداً مقابل وعد الجنة والرضوان. وقد يقوم بدفع حركة الاسلام سلطان راشد للمسلمين وتكون (البيعة) ليست صفقات بالأيدي بل اقتراع نتيجته لمرشح للولاية المعينة، ومن وقع (العهد) الدستوري له بالانتخاب (الشوري) الغالب، فعلى الرعية كافة له الطاعة، ولكل العاملين تحت سلطانه حسب وظائفهم ومراتبهم تجب الطاعة بشروطها وآجالها المكتوبة وتكون للمؤمنين فرعاً عن (البيعة) لله طاعة لشرعه وحكمة بواجب الوفاء بالعقود والمواثيق ورجاء لجزائه. ومن وراء ذلك تقع بحكم (عهد) الدستور والقانون تكاليف ازاء القضاء او الاجهزة التشريعية او المؤسسات.
وقد يكون في السياسة التزام بوعد وهو تبشير بفعل وتدبير مستقبل من الوعد بغير مقابل مرجو لميعاده، وانجازه والوفاء به لا خلفه واجب صدقاً في أخلاق الدين حتى يستقيم في علاقات الناس الأمان. و(العهود والوعود) هي شروط التمثيل النيابي الصادق في بناء المجالس الشوروية، التي تجمع وكلاء معدودين عن اصلاء الارادة الشعبية من الجماهير ذات الأهلية للرأي، الذي يتشكل منه (الاجماع).

نظم الدولة ومداها
(أولو الأمر) في القرآن هم كل ولاة السلطان والشأن والسلطة العامة (Authority). وأعلاهم اجهزة جماعية نيابية تعمل (بالشورى) الملزمة وفق ما يعلو عليها من شورى واجماع مباشر صدر عن الأمة كافة استفتاء حرا تفصيلاً وتنزيلاً لفهمها لهدى (الشريعة): {فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول} [35][35]. والاجهزة او الافراد الذين يولون الامر انتخاباً او تعييناً وفق حكم النظام الاجماعي والتفويض المشروع: كل اولئك هرم تحت (الشريعة) و(الاجماع) من له أمر يليه يراعي علاقات سائر البنية السلطانية المرتبة افقياً، لكل اختصاص ووظيفة او رأسياً، لكل صعيد من حجية الأمر السلطاني ووقعه.
(وأهل العقد والحل) هم الجماعة المنتخبة التي تتصدر الشورى في الشأن المركزي للأمة، او في شأن اقليم او وظيفة دنيا او خاصة من شعاب الحياة العامة، وقرارهم يحل المتعقد من مشكلات الأمور وينهي ويعقد سائب الأمور ويحسم خلافيها.
(وولاة الأمر) منتخبون بالشورى كذلك، يترتبون من المولى الأعم والأعظم في الدولة الى الولاة دونه، انتخاباً او تعيينا ـ حسب قرار الاجماع ـ على كل اقليم او شعبة من وزارة او امارة. مفوضة او مأمورة للتنفيذ ومنهم العمال المتولون للإدارة اللامركزية او الفرعية و(الدواوين) التي تجمع العاملين.
وجملة العاملين ذوي الوظائف اصبحت تسمى (الخدمة العامة) (Public Service) منها الجنود وإمارة الجهاد ومنها المدنيون (Civil Service) الذين يتولون الخدمة المدنية غير المسلحة والذين يعملون بسلطة القرار الإداري والمال العام والخدمات العامة، لرعاية المعاش او العلم او الصحة بين الناس او نحو ذلك. والمدني نسبة الى المقام الذي يمدن فيه الناس مدنا اقامة، والى المدنية فهو منسوب للحضر لا للجندية والحركة والسفر.
ومهما سويت المسائل العامة بحكومة العاملين او ذوي الامر العام جماعات وأفراداً، فان الخصومات الخاصة يليها (القضاء) الذي يحتم ويحكم ويفصل في كل خصومة ويتم تسويتها في سبيل العدل. و(القضاء) في النظام الأسلامي كان موحداً مع الإمارة السياسية العامة، ولكنه تمايز الى القضاة، فهم يحكمون بمقتضى (الشرع) و(الإجماع) او يجتهدون رأيهم التي هي أعدل بين المتقاضين. ويوازي عام القضاة في نظام الإسلام قضاة (ديوان المظالم)، وهم اقرب الى قضاء الخصومات في أوامر الإدارة التقديرية وأفعل اجراءات في نفاذ حكهم ولو في شكوى اعم وخصومة اشمل من قضية معينة.
واذا كان لوظيفة (الجهاد) إمارتها وجنودها لحماية البيضة وتحصين الثغور، (فللشرطة) كذلك تقليد قديم لإقامة الحدود واتقاء الظلم والعدوان، (وللعيون والبريد) وظيفة لجمع أخبار الحياة العامة ونشر اعلامها وتأمين نظامها (قوى الأمن والضبط والاعلام والدعاية). ومهما كان فان وظائف الحياة العامة وادارتها تتطور حسب كثافة الابتلاءات وفنون الوسائل وتتخذ من العربية الاصيلة مصطلحا لا من الترجمة الساذجة او التعريب للفظ المباشر.
اما الذي بين الدولة والمجتمع فإن الدولة الحديثة تضخمت وظائفها واتسع وقع سلطانها وتكثفت الوسائل لأمرها، ومن ثم تعاظم حجم (الدواوين والعاملين) في شؤون الجهاد والامن والعلم والصحة والمعاش، وسائر البنى الاساسية لعلاقات الناس. وهؤلاء يؤدون وظائفهم على نهد وسنة واحدة راتبة لا يختلف عليها الناس كثيراً، ولذلك هم ثابتون يبقون قوة الدولة مهما تعاقبت وتبدلت القيادات السياسية التي تتولى الأمور الخلافية والعامة، سواء تداولت السلطان باستلابات ثورات وانقلابات او انتخابات يتغير فيها خيار الناس. ولئن سمين هذه الشريحة التي يختلف عليها وتتعاقب (الحكومة) (Government)، وهي التي تتولى القوة السياسية وتتداولها، فان بقية الدولة بل البنية السلطانية الثابتة أخذت تأكل (الحكومة) وتلونها، وأخذت تزحف بنباتها على الحرية والعدالة في الخيار، واتجه الميزان الى رجوع النظم الراتبة السادة التي تحتكر العلم والقوة، وتؤثر الفعل العملي المتيسر المترتب على الفكر الحر الاصيل الذي ينطلق حراً في اجتهاد مختلف. فالمجتمع اخذت تطغى عليه القيادات والدولة ومحرماً من الفكرة والدفعة، الا اذا تراكم عليه ما يراه بائداً او ظالماً فيثور ويقلب النظم.
و(الملأ) في كل النظم راشدة او فرعونية فرد كانت، او سلطوية لطبقة اشتراكية، او رأسمالية او لبرالية، هي في لغة القرآن (البطانة) او القوة المتنفذة حول مركز متوحد، وهم في سلطان اليوم من يسود من أهل دواوين الدولة ويحتكرون العلم والمعلومات والمال والتصرفات والقوى النفوذيات. اما في التجربة الاسلامية فيمكن ايضاً ان يغشى الحياة العامة حول السلطان (ملأ) من رجال الدين شيوخاً وعلماء يحتكرون العلم والامام، وسادة وكبراء يدعون القيادة بأوضاعهم، وساسة عاملون باسم الشعار ودوافع الهوى نحو الراتب والواقع المنتشر، الا اذا بقي المجتمع المسلم قوة توازن قوى القيادة والدولة، يعبر عن حركته (بالإجماع) رأيا و(عرفاً) عن حرية اجتهاد، و(بالمجاهدة) كسب مال وعافية ودفاع.
والمثال الإسلامي حينما يبلغ (المؤمنون) مستوى علياً ان يقوموا مباشرة بغالب وظائف الحياة الجماعية طوعاً مستغنين عن أداة السيطرة والسلطان، يأتمرون بالمعروف مسالك عمل صالح، ويتناهون عن المنكر ضوابط تقوى، ويتصالحون في كل ابتلاء نزاع دون اوامر قوة وأكراه او موانع توحد وعقوبة وحسم قضاء يرد الظلم بالحق نافذاً. لكن المثال لن يبلغ الكمال فلا غناء عن بعض قادة موكلين بعقود التوالي المذهبي والمصلحي والحزبي للتعبير عن المسلمين، ولا غناء عن هيئات نيابية ينتخبونها لتمثل اجماعهم او نظم قضاء ووظائف عليا ترعى شأنهم، او عن ولاة يختارون طوعاً يقدم امرهم وأمر العاملين تحتهم حكماً وسلطاناً. ولكن مهما تكثفت اتصالات الحياة وحاجاتها العامة وتضخمت ادوات الحكم ووظائفهم، فالمسعى ألا يتفاقم ويتضخم عجز قاعدة المجتمع المسلم وتعويله تمثيلاً على القادة وسلطاناً على الدولة، اليها توكل غالب التكاليف وتسند الأداة والسلطة اللازمة، بل ينبغي ان يحيا الإيمان وينهض ليتولى المؤمنون مجتمعاً ورعية غالب الأمور مباشرة كما يخاطبهم بها القرآن متواتراً ولا يقوم بذوي الأمر السلطاني منهم الاّ القليل فالأقل. ولزيادة دوافع الإيمان طوعاً وضوابطه، وادوات البر والتقوى والتعاون عفواً ومواعين الوعي والعلم والتذكر حراً، وقوام الحياة العامة وصلاحها بأكثف المباشرة وبأدنى كره او سيطرة او جبر او سلطان.

الإصلاح للأمر العام
(الصلاح): ضد الفساد، والإصلاح تقويم الفساد وتغيير المفسدة بما هو مصلحة وتبديل وخسر ذات البين في علاقات المجتمع بما هو وفاق، وهو تبديل ما تغيرت حوله ظروف البلاد فأحالته قصوراً وظلماً وفساداً.
و(إصلاح) المرء نفسه توبة الى الخير بعد سوء، و(الصلاح) كسب عمل الصالحات كما يوصي بذلك القرآن كثيراً ـ تصديقاً وكسباً للفلاح واتقاء للخسران. و(اصلاح) المجتمع الأوبة به عامة للحق بعد نهج الباطل، وللعدل والخير والنظام بعد الظلم والفساد، في سبيل حسن العواقب {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب}. [36][36]
و(الاصلاح)، كلمة تستعمل الآن في العربية مقابلة للاتينية الأصل (Reform) التي تعني ظاهر الحياة او تبديله، وفي المناهج السياسية (الإصلاحية) تعني الى جانب ذلك اتخاذ التدرج في سلام وسيلة لذلك الغرض.
لكن (الاصلاح) في لغة القرآن أجمع لابتغاء كل الصلاح أصولاً وظواهر بكل الوسائل المشروعة دعوة رفيقة صبورة متدرجة او جهاداً حمياً مسارعاً نحو المقاصد الخيرة.
و(الاصلاح للأمر العام) هو محاولة تغيير سياسي حركة نحو المثل العامة اذا غفل او قصر عنها المجتمع بواقعه، او اذا جمد على موافق الحق ومظاهره القديمة رغم ابتلاءات وظروف طرأت فرقت ذات بين المجتمع والمثل، مما يستدعي مذاهب وصوراً جديدة لتصلح وتستقيم مع الحق ابداً.
و(الحركة الاصلاحية) للمجتمع هي حركة (احياء) بعد (موات) في لغة القرآن. وتبدو في النفوس (يقظة) او صحوة ايمانية ( Revival, Rebirth)، لا تقتصر على حال النفوس الخاصة كما هو شأن العقائد الدينية التي انتهى اليها الغرب، بل هي تتصدق بحركة نشاط الاجتهاد) الفكري وتجديد الرؤى الفقهية للدين بعد الخمود والتقليد، وذلك (الاحياء) (Renaissance) هو بدوافع الايمان المذكر (بعث) للطاقة والنهضة المادية في الحياة، لا تجمد او تعقم او تموت بل تتحرك وتنمو وتنتج جديداً.
واذا تيسرت لحركة (الاصلاح) السياسي الحرية وانفتحت السبل مهاداً لاندفاع (المشيئة)، يخطر وينشأ ثم يثمر التجديد عند بعض نفوس المجتمع عواطفاً وافكاراً واعمالاً، ثم ينتشر التجديد: بالدعوة والبلاغ والجدال والقدوة ويتخذ لذلك طريق السلام لأنه أحسن العلاقات بالإنسان وأيسرها وأسرعها للانتشار وأبلغها لضمان الصدق والفعالية: والغاية عندئذ تتقارب (تقدماً) (Progress) نحو المثل المنشودة ولو في وجه من يجادل داعياً (للمحافظة) على التقاليد: (Traditionalist Conservative).
لكن القديم قد يتصلب في وجه الاصلاح والتجديد فكراً وعرفاً تقليديا ويتخذ مذهبا (رجعياً) (Reactionary)، من شدة حب الرجوع الى التراث ذاته في كل شيء.
الا ان العود الى الاصول الاولى للاسلام يدفع لتجاوز بعض التقاليد الراكمة عقائد وأعرافاً اصبحت منسوبة الى الحق من طول العهد الراتب، لكنها تحجب اصول الحق وتثقل كل حركة تستوحي منها حوافز التجديد والتعبير الصادق عنها في حادثات الظروف.
(فالأصولية) هي اندفاعة تقدمية تقاوم (التقليدية) التي تدعي النسبة للتراث خلال كسب قديم للسلف، تحجرت وقست بها نفوس الخلف. لكن تلك (الأصولية) هي غير ما عهدته النصرانية في أميركا، ومدت منه الكلمة بالقياس الخاطئ والنفوذ الدعائي نحو ظواهر الجديد في حاضر الاسلام.
وقد يكون الاعتصام بالقديم اصراراً على اعراف ومنافع معهودة اسرت العصبيات والشهوات أهلها، وصاروا يشفقون من الخطر على موازنهم ومكاسبهم لمتاع الدنيا اذا دخل الاصلاح الجديد.هكذا قامت في وجه دعوة الانبياء الصالحين دعايات الحذرين من قادم الحق والعدل {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا او ان نفعل في أموالنا من نشاء انك لأنت الحليم الرشيد} [37][37] {وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال متوفوها انا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون}. [38][38]
وفي وجه (الاصلاح) اذا أدرك اهل القديم ومن يواليهم في الأرض ان الجديد خطر ممتد لا تجدي ضده المناظرة والمجادلة قد يلجأون الى رفع القوة والسلاح لاسيما اذا كان ذلك (الاصلاح) يتهدد المعهود لذوي القوة والسلطان في المجتمع القديم من منافع وقدرة على البطش والجبروت والظلم، كقصة فرعون وآله وجنده مع موسى عليه السلام وقومه.
عندئذ يأذن الدين لحاملي رسالته في وجه ذلك العدوان ان يقاومون بالمجاهدة ما داموا هم يجادلون بالتي هي أحسن ويكفون، ولا يبادرون بالقوة والعدوان وانما اضطروا لمجاوبة العادي سيئة بمثلها دفاعاً وقتالاً {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولو دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز}. [39][39]
وفي المذاهب السياسية الغربية ما يجعل المقاومة والمجاهدة والمقاتلة نهجاً مشروعاً في سبيل الحرية (Freedom Frighting, Struggle, Resistance).
واذا دارت معارك المرافعة وكان النصر لحزب (الاصلاح) بانحياز قوة جماهير من الناس يدركون الظلم ويحملون عليه، فأصبحت العاقبة والدولة لمشروع (الإصلاح)، فقد تأتي حركة التغيير فجأة انفجاراً وتحولاً، فتكون في حركة المجتمع وحياته (ثورة) هائجة وتقلب اوضاعه (Revoluation).
وقد تكون الثورة شاملة لغالب مساقات الحياة، او تأتي حركتها قاصرة على تبديل مواقع السلطة والغنى والجاه، التي كانت تتغالب عليها قوى من سادة واحزاب وطبقات وأقوام وطائف.
وكلمة (الثورة) اصبحت شعاراً شائعاً محبوباً بأثر كثير من التجارب ذات الوقع التاريخي الهائل، ولذلك يتخذ الشعار عنوانا لحركات تغيير شتى مهما كانت المواقع والمقاصد محدودة. وقد لا تكون حركة القوة الا مبادرة عدوان او مجاوبة دفاع لكنها لا تصوب الا على الشريحة المتمكنة المتحكمة في السلطان، وتسمى عندئذ (انقلاباً) (Coup d’Etat) وهي ضربة لخلع ذوي السلطة ونزعها منهم، وربما تهدف من وراء ذلك للتمكن من تسيير كل الحياة العامة وتغيير ميزان المصالح والسلطان، وسياسات الأمن والعدل والسلطان، او ما هي الا طمع ممن قلب الحكم وغلب ليتمتع هو من بعد السلطة ويصرف الأمر العام ولا يبلغ كسباً مقدراً من (الاصلاح) الا شعارات ودعاوى.
ومهما تكن سنن التحولات السلطانية البشرية فان شرعة الدين ومنهاجه حقاً ان يقوم (بالإصلاح) سواد مجتمع المؤمنين الموحدين الذين ان مكنوا في الارض دعوة او جهاداً، اقاموا شعائر الصلة بالله دفعاً وتقوى وآتوا الزكاة تكافلاً وعدلاً وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، اجماعاً على سياسة استقامة في سبيل الصلاح والفلاح في الخاتمة.

توقيع : mr mohamed zakaria




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المصطلحات السياسية في الاسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجوانب القانونية و السياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة
» أسس القضاء في الاسلام
» النظام الاقتصادى فى الاسلام
» الكذب واضراره في الاسلام
» اول شهيده في الاسلام سمية بنت خباط

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكة الحزم القانونية :: قانون الأسرة :: القضاء في الاسلام-
انتقل الى: