لاستقالة la démission هي إنهاء خدمة الموظف بناء على طلبه أو لاتخاذه موقفاً معيناً يعده القانون بحكم الاستقالة. ويتمثل موضوع الاستقالة في رغبة الموظف في ترك العمل الوظيفي في أثناء خدمته الفعلية، وذلك تحت تأثير أسباب وعوامل عدة (كأن يكون العمل لايتفق وطبيعة الموظف، أو لسباب أسرية خاصة، فغالباً ما تفضل الموظفات الاستقالة لتربية أطفالهن). ولكن ما الموقف الذي يجب أن تتخذه الإدارة العامة تجاه موضوع استقالة الموظف. هل يجب عد الاستقالة حقاً مطلقاً للموظف؟، وهل الإدارة ملزمة بالإذعان لرغبة الموظف فوراً ؟
إن الوظيفة العامة بوجه عام لا تقبل الإذعان الفوري لرغبة الموظف في الاستقالة. لأن هذا قد يؤدي إلى إحداث اضطراب في سير المرفق العام عند استقالة موظف أو أكثر من دون سابق إشعار، بسبب عدم القدرة على توفير من يحل محلهم فوراً، فقد يؤدي هذا الوضع إلى إيقاف المرفق العام، وهذا ما لا يمكن تصوره في الوظيفة العامة الحديثة.
ورغبة في التوفيق بين مصلحة الإدارة ومصلحة الموظفين، فإن مبدأ الاستقالة يعد مقبولاً في مفهوم الوظيفة العامة ذات السلك الوظيفي، إلا أن للإدارة أن ترفض الاستقالة في مدة زمنية معينة لمقتضيات المصلحة العامة، و هذا لا يعني حق الإدارة في الرفض المطلق.
وقد ألزم القضاء الإداري والمشرع من بعده، في فرنسة، الموظف المستقيل الاستمرار في عمله إلى أن تقبل الاستقالة من ناحية، وألزم الإدارة بأن تصدر قرار ها بالرد على طلب الاستقالة في مدة معينة من تاريخ تقديمه من ناحية أخرى.
و قد عرَّف قانون الموظفين الأساسي السوري ذو الرقم /135/ لعام 1945 الاستقالة بأنها «تقديم الموظف طلباً خطياً إلى مرجعه بإعفائه من الخدمة»، وأكد القانون الأساسي للعاملين في الدولة ذو الرقم /1/ لعام 1985 هذا التعريف عندما نص في المادة /134/ منه على ما يلي:
ـ الاستقالة هي تقديم العامل طلباً خطياً إلى مرجعه بإعفائه من الخدمة. ويتم قبول هذه الاستقالة:
1 ـ بمرسوم لمعاوني الوزير والمديرين العامين.
2 ـ بقرار من الوزير المختص أو صك من السلطة صاحبة الحق في التعيين ـ أيهما أدنى ـ لسائر العاملين.
ـ يجب البت في طلب الاستقالة، إما بالقبول أو الرفض، في مدة ستين يوماً من تاريخ تقديمه.
ـ تطبق بحق العاملين المخالفين لأحكام هذه المادة، المؤيدات الواردة في القوانين النافذة بهذا الشأن.
أنواع الاستقالة وشروطها
الاستقالة نوعان: استقالة صريحة وأخرى ضمنية.
الاستقالة الصريحة: وهي تتمثل بالطلب الخطي الذي يتقدم به الموظف معبراً فيه عن رغبته الواعية والحرة في ترك الخدمة الوظيفية نهائياً. ولما كانت العلاقة التي تربط الموظف بالإدارة العامة ترتكز إلى النصوص القانونية والتنظيمية، فإن موضوع الاستقالة تحكمه أيضاً العلاقة النظامية التي يراعى فيها أولاً جانب المصلحة العامة الذي تمثله الإدارة العامة، وثانياً جانب المصلحة الذاتية الذي يمثله الموظف الراغب في الاستقالة. ويشترط لكي تكون الاستقالة الصريحة سبباً في إنهاء الخدمة توافر الشروط التالية:
ـ أن تكون الاستقالة مكتوبة، وذلك لسهولة إثباتها، ولتنبيه الموظف إلى خطورة ما يقدم عليه إذا كان مندفعاً تحت تأثير نزوة طائشة أو حالة طارئة.
ـ أن تكون الاستقالة خالية من أي قيد أو شرط.
ـ ألا تكون قد اتخذت إزاء الموظف إجراءات تأديبية لم تنته بعد، فإذا كانت مثل هذه الإجراءات قد بدأت فلا تقبل الاستقالة إلا إذا انتهت بغير العزل أو الطرد أو الإحالة على المعاش. والقصد من ذلك هو عدم تمكين الموظف من الهروب من العقاب عن طريق الاستقالة إذا كانت الجريمة المسلكية المتهم فيها جسيمة تستوجب عقوبة العزل أو الطرد من الخدمة.
ولا تشترط بعض القوانين مثل هذا الشرط وتترك الأمر تقديرياً للإدارة التي قد ترى من المناسب لمصلحة العمل في حالات معينة الاكتفاء بإنهاء خدمة الموظف بقبول استقالته بدلاً من الاستمرار في الإجراءات التأديبية. وفي سورية تعدّ الاستقالة التي يتقدم بها الموظف وتقبلها الإدارة في أثناء كف يده نافذة من تاريخ صدور الصك القانوني بقبولها (رأي مجلس الدولة ذو الرقم 236 لعام 1978).
ـ ألا يقدم طلب الاستقالة تحت تأثير إكراه مادي، كأن يجبر رجال الأمن الموظف تحت تأثير التعذيب على تقديمه. أما الإكراه الأدبي أو المعنوي فلا يؤثر في سلامة الاستقالة لأن الأمر يتعلق بعمل الموظف ومصدر رزقه، ولا يمكن الإذعان لتأثير الإكراه الأدبي في هذا المجال.
ـ ألا يعود الموظف عن طلب الاستقالة من وقت تقديمها إلى حين قبولها. وهذا ما أوضحته المادة /135/ من القانون الأساسي للعاملين في الدولة بأنه يحق للعامل سحب طلب استقالته قبل انتهاء مدة الستين يوماً، التي يجب على الإدارة في أثنائها الإجابة عن طلب الاستقالة بالرفض أو القبول من تاريخ تقديمه، وقبل أن يصدر صك قبول استقالته، وفي هذه الحالة يعد طلب الاستقالة ملغى، ولكن يجوز للإدارة التي أصدرت صك قبول استقالة الموظف أن ترجع عن الصك الذي اتخذته بقبول الاستقالة وذلك قبل نشره أو تبليغه إلى صاحب العلاقة.
ـ أن يستمر الموظف مقدم الاستقالة في عمله إلى أن تقبل الاستقالة صراحة، وقد أوجب المشرع العربي السوري على الإدارة أن تبت في طلب الاستقالة إما بالقبول أو الرفض في مدة ستين يوماً من تاريخ تقديمه (كانت هذه المدة في ظل قانون الموظفين الأساسي وتعديلاته ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب). وهذا يفترض أن الإدارة إذا التزمت الصمت بعدم الإعلان عن ردها الإيجابي أو السلبي في المدة المقررة في القانون، فهذا يعني وجود موافقة ضمنية على قبول الاستقالة.
ويستطيع العامل المتضرر من رفض الإدارة لطلب استقالته، أو من موقفها الصامت مراجعة القضاء الإداري[ر] السوري.
الاستقالة الضمنية أو الحكمية: وهي استقالة يفترضها المشرع عند لجوء الموظف إلى اتخاذ مواقف معينة غير مسوغة من قبل الإدارة العامة. وقد عدَّ المشرع العربي السوري الموظف بحكم المستقيل في الحالات التالية:
ـ حالة الانقطاع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية أو ثلاثين يوماً غير متصلة في السنة الواحدة.
ـ حالة الانقطاع عن العمل بقصد الإضراب.
ـ حالة الانقطاع عن العمل للالتحاق بخدمة جهة أجنبية بغير ترخيص من حكومته.
وتشترط بعض التشريعات، كالتشريع السوري مثلاً، ليُعدَّ الموظف أو العامل بحكم المستقيل في الحالات السابقة وغيرها، ألا تكون هناك أسباب قاهرة أو مسوغة تدفع الموظف لارتكاب المخالفات السالفة الذكر.
الآثار القانونية للاستقالة
إن انفصام الرابطة الوظيفية النظامية عن طريق الاستقالة يرتب آثاراً قانونية بحق طرفي هذه الرابطة، هي آثار إدارية ومالية من جهة وآثار جزائية من جهة أخرى.
الآثار الإدارية والمالية: تترتب على الاستقالة جملة من النتائج الإدارية والمالية أهمها ما يأتي:
ـ يجوز للسلطة التي أصدرت صك قبول استقالة الموظف أن ترجع عن الصك الذي اتخذته بقبول الاستقالة وذلك قبل نشره أو تبليغه إلى صاحب العلاقة، على أنه لايستحق هذا الموظف راتبه عن مدة غيابه عملاً بالمادة /80/ من القانون الأساسي للعاملين في الدولة. أما الموظف الذي صدر قرار بقبول استقالته من دون طلب منه، ثم استبان للإدارة خطؤها فأعادته إلى العمل فإنه يستحق جميع رواتبه عن المدة التي توقف فيها عن العمل.
ـ يجوز بصك من السلطة صاحبة الحق في التعيين بعد موافقة الوزير المختص، إعادة العامل المستقيل أو المعدود بحكم المستقيل بأجره السابق إلى وظيفة تتوافر فيه شروط شغلها (المادة 140 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة).
ـ يمنع الموظف المستقيل أو المعدود بحكم المستقيل من العمل لدى إحدى الجهات الخاصة أو الأجنبية التي لها علاقة بعمله السابق أو أن يكون ممثلاً أو وكيلاً لديها، ما لم تنقض خمس سنوات على انفكاكه من عمله المذكور (المرسوم التشريعي ذو الرقم 90 لعام 1970).
ـ يصرف للعامل الذي تنتهي خدمته بسبب الاستقالة، منحة نقدية تعادل مثلي أجره الأخير، بشرط أن تر تب الاستقالة معاشاً تقاعدياً، أما إذا كانت لا ترتب معاشاً تقاعدياً، فتصرف له منحة نقدية تعادل مثل أجره الأخير، (المادة 139 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة). وتصفى الحقوق التقاعدية للمستقيل وفق الأحكام الواردة في قانون التقاعد.
الآثار الجزائية المترتبة على مخالفة أحكام الاستقالة: عاقب المشرع العربي السوري بموجب المادة 364 من قانون العقوبات المعدلة بمقتضى المرسوم التشريعي ذي الرقم /46/ لعام 1974، بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن الراتب الشهري مع التعويضات لمدة سنة كاملة، كل من ترك عمله أو انقطع عنه من العاملين في الوزارات أو الإدارات أو المؤسسات أو الهيئات العامة أو البلديات أو أي من جهات القطاع العام أو المشترك، قبل صدور الصك القانوني بقبول استقالته من المرجع المختص، وكذلك من عُدَّ من هؤلاء بحكم المستقيل لتركه العمل أو انقطاعه عنه مدة خمسة عشر يوماً. ورتب المشرع السوري العقوبة نفسها بحق كل من نكل عن أداء التزامه بالخدمة في الجهات المشار إليها سابقاً، سواءً كان الالتزام نتيجة للإيفاد ببعثة أو منحة أو إجازة دراسية، وتصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة وحرَم المشرع هؤلاء حقوقهم لدى الدولة وألزمهم بجميع الأضرار الناجمة عن ترك العمل أو الانقطاع عنه. ثم منع على القضاء تطبيق الأسباب المخففة التقديرية على الجرائم المذكورة سابقاً، وكذلك منع تطبيق أحكام وقف التنفيذ. وأعفى المشرع من العقوبة، مرة واحدة، من عاد إلى الخدمة ووضع نفسه تحت تصرف الدولة في مدة ثلاثة أشهر من تاريخ تحريك الدعوى العامة بحقه.
عبد الله طلبة
مراجع للاستزادة
ـ سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري (دار الفكر العربي، القاهرة 1964).
ـ محمد فؤاد مهنا، القانون الإداري العربي (دار العارف، الاسكندرية 1965).
ـ عبد الله طلبة، مبادئ القانوني الإداري (حلب 1989).
توقيع : mr mohamed zakaria |
|