حالات بطلان حكم التحكيم فى القانون المصرى
سنعرض فيما يلى لحالات بطلان حكم التحكيم التى رصدها قانون التحكيم المصرى.
1- الحالات المتعلقة بإتفاق التحكيم.
لا شك أن أساس وجود التحكيم هو إتفاق التحكيم, فهذا الأخير هو البذرة الأولى التى تنبت عليها كافة إجراءات العملية التحكيمية, وعلى ذلك فمن المنطقى أن أى عوار فى إتفاق التحكيم لابد وأن يورث بطلان الحكم التحكيمى وهذا ما قرره المشرع المصرى فى مطلع حالات البطلان, ويلاحظ أن العوار فى إتفاق التحكيم يمكن أن يتخذ إحدي الصور التالية :-
أ- عدم وجود إتفاق التحكيم.
والواقع أن الالتجاء إلى هذه الحالة أمر نادر الحدوث, ويتحقق ذلك فى حالة عدم وجود تلاقى إرادتين كما لو صدر الإيجاب وقوبل بالرفض أو بالصمت غير الملابس, أو بقبول تضمن تعديلاً لم يحظ بقبول, ففى هذه الصور لم ينشأ أصلاً أى إتفاق على التحكيم(9)ومن الأشكال العملية التى تأخذها هذه الصورة أن يتمسك الطرف الذى لم يوقع على إتفاق التحكيم ولكنه وقع على وثيقة المهمة(10) بعدم وجود إتفاق على التحكيم. كذلك تثور هذه الحالة عملاً فيما لو تمسك أحد الأطراف فى مواجهة الآخربشرط التحكيم على الرغم من عدم توقيع هذا الأخير على العقد الذى يتضمن هذا الشرط(11), ويتحقق ذلك إذا كان شرط التحكيم يتضمنه عقد ويراد الاحتجاج به على أحد من الغير, فهنا يكون للغير إذا صدر حكم إن يدفع بصدوره دون وجود إتفاق أو شرط تحكيم(12).
ب- بطلان إتفاق التحكيم:إن إتفاق التحكيم كأى إتفاق يخضع لما تخضع له الإتفاقات من القواعد العامة بشأن إنعقادها وصحتها, بحيث يجب توافر الشروط التى تطلبها القانون لتكوين العقود, فإذا ما تخلف شرط من شروط الإنعقاد كان الإتفاق باطلاً, وإذا ما تخلف شرط الصحة كان الإتفاق قابلاً للإبطال على التفضيل المقرر فى النظرية العامة للإلتزامات(13) وقد عبرت محكمة إستئناف القاهرة خير تعبير عن ذلك حينما قالت ". . من المقرر أنه لكى يكون إتفاق التحكيم صحيحاً منتجاً لآثاره أن يقوم على التراضى بين طرفيه بمعنى تطابق إرادتيتهما وإتجاهها إلى ترتيب آثار قانونية تبعاً لمضمون ما اتفقا عليه, وأن يرد ذلك التراضى على محل ممكن ومشروع وإن يستند إلى سبب مشروع (14)
وتطبيقاً لذلك إذا شاب إرادة أحد أطراف التحكيم عيب من عيوب الرضاء مثل الغلط والتدليس والإكراه والإستغلال فإنه يكون باطلاً بطلاناً نسبياً, كذلك يكون باطلاً إتفاق التحكيم إذا ما ورد على موضوع لا يجوز الفصل فيه عن طريق التحكيم كمسألة من مسائل الأحوال الشخصية مثلاً(15) كذلك فإن تخلف الكتابة فى إتفاق التحكيم يجعله باطلاً وفقاً لقانون التحكيم, إذ بصدور هذا القانون أصبحت الكتابة مطلوبة لإنعقاد إتفاق التحكيم وليس للإثبات فقط(16).
ج- إنقضاء إتفاق التحكيم بإنقضاء مدته: تقضى المادة ( 45 / 1 ) من قانون التحكيم بأنه " لهيئة التحكيم إصدار الحكم المنهى للخصومة كلها خلال الميعاد الذى اتفق عليه الطرفان, فإن لم يوجد إتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال إثنى عشر شهراً من تاريخ بدء إجراءات التحكيم, وفى جميع الأحوال يجوز ان تقرر هيئة التحكيم مد الميعاد على ألا تزيد فترة المد علي ستة أشهر مالم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك " من هذا النص يستفاد أن هنالك ميعاد يعتق لإصدار الحكم المنهى للخصومة هذا الميعاد يحدد إتفاقاً في الأصل , فإذا لم يحدد الإتفاق الميعاد تكفل القانون بتحديده وهو اثنى عشر شهراً مع ملاحظة إمكانية مد هذا الميعاد على النحو المقرر بالنص, ومن ثم فإن مخالفة الميعاد على النحو المقرر وصدور الحكم بالمخالفة له يجعل الحكم عرضة للبطلان.
- البطلان الراجع لعوارض الأهلية.
قرر المشرع أن من حالات بطلان حكم التحكيم " إذا كان أحد طرفى إتفاق التحكيم وقت إيرامه فاقد الأهلية أونا قصها وفقاً للقانون الذى يحكم أهليته " والواقع وكما يقرر بعض الفقه بحق(17) أن المشرع لم يكن بحاجة إلى إيراد هذه الحالة ضمن حالات البطلان, ذلك أن فى الحالة الأولى والتى عرضنا لها فيما سبق الكفاية, فإذا كان الشخص عديم الأهلية فإن إتفاق التحكيم يكون باطلاً, وإذا كان ناقص الأهلية فإن إتفاق التحكيم يكون قابلاً للإبطال وهو ما قرره المشرع فى الحالة الأولى من حالات البطلان. ولكن الجديد الذى أتى به هذا البند أنه قرر أن تحديد فكرة الأهلية يخضع للقانون الذى يحكم الأهلية بما يعنى أنه ينتصر لمنهجية تنازع القوانين فى تحديد القانون الذى يحكم الأهلية فما هو هذا القانون؟
تنص المادة (11)من القانون المدنى على أنه " الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسرى عليها قانون الدولة ينتمون إليها بجنسيتهم, ومع ذلك ففى التصرفات المالية التى تعقد فى مصر وتترتب آثارها فيها إذا كان أحد الطرفين أجنبياً ناقص الأهلية وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه فإن هذا السبب لا يؤثر فى أهليته " وقبل أن نغادر هذه الحالة لابد أن نورد ملاحظات ثلاثة فى غاية الأهمية:-
الأولى: أن المشرع أحال إلى القانون الذى يحكم الأهلية ومن ثم تكون الإحالة للمادة (11) مدني بكاملها أى بما ورد عليها من استثناء وهو الإستثناء المعروف فى القانون الدولى الخاص باستثناء ليزاردى(18), وهو الإستثناء الذى يمنع الرجوع لقانون الجنسية إذا ما كان الشخص ناقص الأهلية وفقاً لهذا القانون وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبينه. الثانية: المشرع أحال فى تحديد الأهلية لمنهجية تنازع القوانين ( قواعد الإسناد) ومن تم لا يمكن الرجوع للمنهج المباشر فى تحديد الأهلية .الثالثة: إن الأمر قد يتعلق بجنسية شخص إعتبارى وهنا تنطبق م 11/2 مدنى والتى تنص على أنه " أما النظام القانوني للأشخاص الإعتبارية الأجنبية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها فيسرى عليها قانون الدولة التي اتخذت فيها هذه الأشخاص مركز إدارتها الرئيسي الفعلي ومع ذلك فإن باشرت نشاطها الرئيسي فى مصر فإن القانون المصرى هو الذى يسرى" .
3- البطلان الراجع للإخلال بحقوق الدفاع:
قرر المشرع بطلان حكم التحكيم إذا تعذر على أحد طرفى التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلان صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته(19). وعلى ذلك فإن أى إخلال بحقوق الدفاع يجعل حكم التحكيم باطلاً وإذا كان المشرع قد مثل فى البداية لحالات لإخلال بحقوق الدفاع إلا أنه عاد وقرر " . . . لأى سبب آخر خارج عن إرادته " بما يعنى عدم حصر حالات الإخلال بحقوق الدفاع تحت حالات معينة. ولعل عدم الحصرية التى أوردها المشرع ضمن هذه الحالة هى التى دفعت بعض الفقهاء إلى تلافى خطأ المشرع المصرى فى قانون التحكيم وإلغاء حالات الطعن بالتماس إعادة النظر عن طريق إدخال هذه الحالات التى ألغاها أو نساها المشرع ضمن الإخلال بحقوق الدفاع. حيث بجد هذا الفقه مبررا للقول بإمكانية الإستناد لهذا السبب اذا تعذر على أحد الأطراف تقديم الدليل على تزوير الأوراق أو وجود شهادة شاهد قضى بتزويرها بعد صدور الحكم ففى هاتين الحالتين كان متعذرا على الخصم تقديم أوجه دفاعه التى لو قدمت لتغير وجه الحكم فى خصومة التحكيم كما يشمل هذا السبب حالة حصول الخصم المحكوم ضده على أوراق حال خصمه دون تقديمها أثناء نظر الدعوى(20)، كما تشمل منع المدعى عليه ممن التعقيب على دفاع المدعى(21)
توقيع : mr mohamed zakaria |
|