قانون الأحكام العسكرية و طبيعته القانونية
قد يخص المشرع طائفة معينة بتنظيم قانوني مغاير عن تلك المخاطب به الكافة ، ولا ينال هذا التخصيص من دستورية هذه النوعية من القوانين مدام كان تشريعها يأتي وفقا لمبدأ عمومية وتجريد القاعدة القانونية، كما وما ومادامت تعنى بحماية مصلحة عامة ، و هو ما يسمى في الفقه القانوني بالقوانين الخاصة
و يأتي في هذا الإطار قانون تنظيم الهيئات القضائية ، قانون العاملين المدنين بالدولة ، قانون العمل ،قانون هيئة الشرطة ، قانون المحاماة وقانون الأحكام العسكرية . الخ
" والواقع إن المشرع في تنظيمه للأفعال التي تصدر من أفراد طائفة العسكريين إنما يهتدي بالغاية التي من اجلها خص تلك الطائفة بأحكام معينة – ولذلك كثيرا ما يضع قواعد تغاير القواعد العامة المقررة في قانون العقوبات بالنسبة للأفعال غير المشروعة التي تصدر عن أفراد تلك الطائفة ، والتي تنخرط في ذات الوقت في نطاق جرائم القانون العام ، ويحقق المشرع ذلك غالبا عن طريق إصدار تشريع قائم بذاته ينطوي على الأحكام الموضوعية و الإجرائية الواجب إتباعها بشأن تلك الأفعال المجرمة والتي تصدر عن أفراد تلك الطائفة العسكرية محل التخصيص ، وبالتالي تندرج في صلب نصوص قانون العقوبات العام. هذا و يتبدى في التشريع المتعارف عليه و الذي أطلق عليه اصطلاح " قانون الأحكام العسكرية ". و من ثم فالتشريع العسكري يعتبر تشريعا جنائيا خاصا بالنسبة إلى التشريع الجنائي العام ، فهو يعتبر جامعا للأحكام المادية و الشكلية ، أي مجموعة النصوص التي تحدد الجرائم المخلة بأمن و نظام القوات المسلحة أو الشرطة .
يضاف إلى ذلك إن الجيش بصفة خاصة و الشرطة بصفة عامة لها نظامها الخاص الذي يتفق و طبيعة مهامها وواجبات كل منهما ، مما يقتضى أن تكون لها أحكامها الخاصة ، وان كانت غالبية تلك الأحكام تتصل اتصالا وثيقا بالإجراءات الجنائية مما يعنى أن المشرع قد أراد تخصيصا للقضاء الذي يختص بالمكان و الزمان و الموضوع و الأشخاص .
و يسعفنا في ذلك قول وزير الحربية الفرنسي "مسمير" messmer"- " في مجلس الشيوخ أن سن قانون عقوبات عسكري يبرره وجود نظام خاص بالجيش يستند على الطاعة فبدونها لا يستطيع الجيش أن يقوم بوظيفته بل لا يكون هناك جيش على الإطلاق . وإذا كان من الممكن أن يقوم الرؤساء بتوقيع الجزاءات التأديبية على المخالفات البسيطة فإن الالتزام العسكري قد يكون خطيرا بحيث يتطلب جزاءا جسيما ، وحينئذ لا يمكن توقيعه بغير ضمانات . فالوسيلة الوحيدة هي سن تنظيم قضائي يطبق المبادئ العامة في القانون التي تكفل للمتهم هذه الضمانات ) " .([1])
" وقد ثار الخلاف حول طبيعة قانون الأحكام العسكرية، وهل هو قانون جنائي خاص يخضع لما تخضع له القوانين الجنائية من أحكام ، أم انه قانون تأديبي يخضع لإحكام نظريات و مبادئ القانون الإداري؟
و قد ذهب البعض إلى القول بأن قانون الأحكام العسكرية قانون تأديبي ، وان المحاكم العسكرية محاكم تأديبية ، وان ما تصدره من أحكام إنما هي أحكام تأديبية تخضع لقواعد القانون الإداري فيما يتعلق بالطعن فيها وكيفيته و مواعيده و الآثار التي تترتب عليه ، وذلك تأسيسا على أن طبيعة معظم العقوبات التي توقعها المحاكم على المخالفين لأحكام هذا القانون إنما هي عقوبات تأديبية يقتصر آثارها على مزايا الوظيفة مثل عقوبات الرفت من الخدمة أو التكدير أو التأخير في الترقية و غيرها ، وان القانون الجنائي لا يعرف هذا النوع من العقوبات و إنما يقتصر على العقوبات الجنائية المعروفة.
بينما ذهب البعض الأخر إلى القول – بحق – إن قانون الأحكام العسكرية قانون جنائي خاص ، و أن المحاكم العسكرية محاكم جنائية خاصة ، وان ما يصدر منها من أحكام إنما هي أحكام جنائية لها ما لسائر الأحكام الجنائية العادية من آثار، وان ما قال به أصحاب الرأي الأول غير صحيح إذ أن هنالك خلاف كبير بين القانون الإداري و القانون الجنائي من حيث القواعد و المبادئ التي يقوم عليها كل منهما ، وان احتواء قانون الأحكام العسكرية على بعض العقوبات ذات الطابع التأديبي لا يخلع عنه الصفة الجنائية ولا يغير من طبيعة العقوبات التي يقررها للكثير من الجرائم المنصوص عليها فيه و التي تبدأ بالإعدام و تنتهي بالحبس و الغرامة و العقوبات التكميلية و التبعية مرورا بالإشغال الشاقة المؤبدة و المؤقتة و السجن و هذا الرأي هو المستقر عليه فقها و قضاء و اتساع سلطة المحاكم العسكرية بتقديم حقها في توقيع عقوبات تأديبية و عقوبات انضباطية بالإضافة إلى العقوبات الجنائية لا ينفى عنها الصفة الجنائية " .([2])
إما فيما يتعلق بتكيف وضعية القضاء العسكري فقد قررت المحكمة الإدارية العليا بانة :
" يعتبر القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة بجانب جهة القضاء الإداري بمجلس الدولة و جهة القضاء العادي – لا يختص مجلس الدولة بالتعقيب على الأحكام الصادرة من القضاء العسكري و لا يختص كذلك بنظر المنازعة في الإجراءات التنفيذية الصادرة تنفيذا لها لما في ذلك من مساس بالأحكام المذكورة و تعد على اختصاص القضاء العسكري بعد استنفاذ طرق الطعن في أحكامه و التصديق عليها من السلطة المختصة "
{{ حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1977 لسنة 33 القضائية جلسة 7/1/1989 }} . ([3])
هذا وفد نصت المادة الأولى من القانون الحالي رقم 25 لسنة 1966أ الاحكام العسكرية أ أن إدارة القضاء العسكري تعد احدي إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة :
"الإدارة العامة للقضاء العسكري هي أحدى إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة ، ويتبع هذه الإدارة نيابة عسكرية و محاكم عسكرية و فروع أخرى حسب قوانين و أنظمة القوات المسلحة " .