1- نظرة سريعة لبداية منظمة التجارة العالمية :
كان مطلع عام 1995م قيام منظمة التجارة العالمية ( W.T.O World Trade Organization )
وبدأ سريان نظام عالمي جديد تم الاتفاق عليه وعلى الكثير من ملامحه خلال مفاوضات جولة أورجواي التي استمرت قرابة سبع سنوات ( 1986م – 1993م ) والتي تم التوقيع على اتفاقياتها النهائية بتاريخ 15 نيسان / أبريل بمدينة مراكش(1) .

2- أهدف المنظمة :
هو تحقيق حرية التجارة الدولية ، وذلك بالقضاء على صورة المعاملة التمييزية فيما يتعلق بإنسياب حرية التجارة الدولية ، وإزالة كافة القيود والعوائق والحواجز التي من شأنها أن تمنع تدفق حركة التجارة عبر الدول(2) .
3- إنضمام المملكة إلى المنظمة :

تسعى المملكة في التفاوض للإنضمام إلى تلك المنظمة حتى توسع من إستثماراتها الأجنبية وحتى لا تُعزل دولياً ، لأن أكثر من 90% من إجمالي التجارة الدولية يتم تحت إطار تلك المنظمة .
ويعتبر النفط من المصادر الرئيسية للدخل في المملكة ، إلا أنه لا يدخل ضمن المفاوضات في جولات المنظمة ، ولكن هناك محاولات خليجية لإدخاله إلى المفاوضات ، لأنه كلما كان هناك تنسيق بين الدول المنتجة والمصدره للنفط في عملية التفاوض كلما كان أقوى لتلك الأطراف .




وأنه لو دخلت إيران في تلك المنظمة لكان للتفاوض قوته التي لا يستهان بها ، ومن المقرر إلى الآن أن يكون إنضمام المملكة إلى المنظمة تقريباً عام 2003م .

4- مشاكل وعوائق تواجه المملكة في الانضمام للمنظمة :

تواجه المملكة عوائق كثيرة في الانضمام لتلك المنظمة منها عوائق فنية وأخرى قانونية وعوائق سياسية واقتصادية وتحتاج المملكة إلى عدة سنوات حتى تصل إلى التغلب على هذه العوائق ، وهناك عوائق ومشاكل لابد من إصلاحها قبل الانضمام إلى المنظمة ومن أهمها العائق القانوني والاصلاحات الادارية .
وبنظرة سريعة نورد بعض العوائق كما وردت في جريد الوطن السعودية(أ)

العوائق :

 المحاكم أو اللجان الادارية ذات الاختصاص القضائي بطيئة .
 التكاليف المادية المرتبطة بالتقاضِي عاليه .
 صعوبة تنفيذ الأحكام لعدم وجود آلية فاعلة لتحقيق ذلك .
 المحاكم والجهات الادارية ذات الاختصاص القضائي لا تحكم عادة بالتعويض عن اتعاب المحاماة .
 المطالبة بتخفيض رسوم تصدير البضائع والتخفيض من الاجراءات الجمركية المعقدة .
 الازدواج الضريبي بين السعودية وبعض الدول الأخرى .
 قصور قروض صندوق التنمية الصناعية على المشروعات التي تحمل تراخيص من وزارة الصناعة .
 طلب ضمانات كبيرة لأقراض خريجي المعاهد المهنية من بنك التسليف .
 تفعيل دور سوق الأوراق المالية في مجال التمويل وتوفير الاجراءات التنظيمية لعملية التأجير التمويلي .
 عدم السماح للمستثمرين الأجانب بتملك أسهم في الشركات المساهمة بصورة مباشرة .
5- الآثار المترتبة لإنضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية :
سنركز الجانب على عدة مستويات التي سيكون منها التغيير واضح المعالم ومن هذه المستويات :-
أ‌- المستوى العام ويقصد به مستوى السياسة العامة.
ب‌- المستوى الخاص ويقصد به مستوى المجتمع المحلي والفردي .

أ-المستوى العام :
وممكن أن يقسم إلى عدة جهات يحصل فيها التغيير :

1- تقلص وتراجع فكرة السيادة الوطنية المطلقة للدولة " وتتراجع فكرة السيادة حتى تكاد تتلاشى عندما يصير لزاماً على كثير من الدول أن تعيد النظر حتى في تشريعاتها الوطنية ، إذا ما تعارضت مع ما يصدر عن المنظمات العالمية من تشريعات واتفاقيات ، كالاتفاقية الدولية لحماية حقوق الملكية الفكرية ( تربس ) التي أقرتها دورة الأورغواي في آخر مفاوضات لها في مراكش عام 1993م ، وتخدم بالأساس المصالح الاقتصادية الكبرى لشركات الأدوية العملاقة في الغرب(3) .

وربما تبلغ تلك التدخلات في الشؤون الداخلية للدولة حدها الأقصى عندما تشرع قوانين حقوق الإنسان والتي تكون مسوغاً للتدخل في شؤون تلك الدول والضغط عليها عندما تقتضي المصلحة في ذلك .
وربما يتم طعن تلك الدول في ظهرها بالتحالف مع منظمات عالمية خارجية تعمل في الداخل وتدار من الخارج وربما تكون ممولة من وكالات أجنبية مثل وكالة التنمية الأمريكية وغيرها.

ومن الأمثلة القوية على ذلك هو في اتفاقات الشراكة المتوسطية – الأوربية والتي تتضمن نصوصاً تعطي للاتحاد الأوربي حق إقامة الصلة المباشرة مع المنظمات غير الحكومية في الدول العربية الأعضاء في اتفاقات الشراكة من دون المرور بالدولة ، وهو مثال صارخ على إهتراء مفهوم السيادة والانتقاص منه .
2- ومن النقطة الأولى أنه من الممكن إذاً أن تنهار إمبراطورية الوزراء ولنأخذ مثال وزارة التعليم العالي ، فدخول المستثمر الأجنبي وغيره إلى اقتصاديات التعليم وفتح المجال للاستثمار فيه ، وذلك بفتح المعاهد والكليات والجامعات الأهلية فإن صلاحيات الوزير ستقل وربما تضمحل كثيراً وتكون وظيفته الأساسية هو التوجيه الغير المباشر لتلك الجامعات والكليات والمعاهد .
3- ونأتي إلى العامل الاقتصادي والتغيير الحاصل فيه ، فبدخول المملكة منظمة التجارة العالمية ستفرض عليها شروط منها على سبيل المثال :-
‌أ) بسبب رفع الدعم عن المنتجات الغذائية سترتفع أسعار الغذاء في الدول المستوردة للغذاء .
‌ب) وبسبب رفع الدعم الحكومي عن المشتريات الحكومية سوف تتأثر المنتجات المحلية وبالتالي المصانع المحلية وذلك بنقص مبيعاتها .
‌ج) أما بالنسبة للغاز فإن أرامكو تبيعه لشركة سابك وللشركة السعودية الموحدة للكهرباء بسعر التكلفة أي بما قيمته 75 سنت للوحدة المباعة ، ولكن الشركات المستثمرة في الغاز تطالب بعد توقيع الاتفاقية بالبيع بالسعر العالمي للغاز والذي يعادل 2.5 دولار للوحدة المباعة ، وبالتالي فإن سعر الغاز والكهرباء سيرتفع لا محالة على المستهلك النهائي .
‌د) تطالب الدول العظمى بتطبيق معايير للعمل على نفس مستوى تلك الدول ، وهذا يرهق طبعاً الشركات المحلية لأنها لم تصل لمستوى تلك الدول وبالتالي سيرجح الميزان لصالح الأقوى .
‌ه) تطالب الدول العظمى أيضاً الاتفاق على مبادئ حماية البيئة لتضغط بها على الدول النامية .
‌و) دخول المصارف والبنوك الأجنبية إلى السوق المحلية وبرأس مالها الضخم وتقنياتها المتقدمة وخدمات المتميزه بالمقارنة ببنوكنا ومصارفنا المحلية ، فإن ذلك سيؤثر حتماً عليها وبلا أدنى شك .
‌ز) الخصخصه وما تحمله من تأثيرات على المستوى القصير والطويل .
4- ونتطرق هنا إلى التغيير الذي يحصل في ثقافة المجتمع وبالتالي فإن هذا سيؤثر على تعامله مع عدة جهات وأولها المؤسسة الدينية إن كان عندنا مؤسسة دينية بالمعنى الحقيقي ، فثقافة الحقوق سوف تنتشر وتمتد إلى أن تصل إلى المطالبة بمحاسبة الأموال العامة ولن تبقى المؤسسة الدينية تتفرج ليتم سحب البساط من تحتها دون أن تحرك ساكناً ، بل ستوجد الضغوطات المفروضة عليها من قبل الناس بإيجاد نظام مراقبة ومحاسبة الأموال العامة من أوقاف أو أخماس أو غيرها من الحقوق المالية التي لا يوجد لها نظام للإدارة والمحاسبة على مستوى عام .

والتكتل العالمي والتوجه إليه سيفرض عليها التكتل مع بعضها البعض إن كانت قياداتها واعية ومدركة مدى الأخطار المحيطة بها وإلا ستذوب وتداس تحت أقدام غيرها من المنظمات الكبرى .
5- ربما يؤدي انفراط عقد الدولة إلى مرحلة إنهيار المجتمع وبدء كل فئة أو طائفة أو قبيلة للتقوقع للداخل للاحتماء من تيار العولمة الجارف وبذلك تزداد حدة الصراعات الداخلية والنزاعات المحلية .
ب-المستوى الخاص :
ويحصل التغيير فيه على عدة جهات :

1- بالنسبة للمرأة ستعاد صياغة بعض المفاهيم الخاصة بها لتتناسب مع مرحلة التغيير القادم مثل مفهوم الشرف والعفه الذي كان في السابق يركز على أن المرأة الشريفه العفيفه هي التي تقر في بيتها ولا ترى الرجال ولا الرجال يراها ، ومع مفهوم مشاركة المرأة في العمل الخارجي أي خارج المنزل فإنها حتماً تلتقي مع الرجال وخصوصاً في ظل إنفتاح المرأة في العمل في قطاعات الصحة وغيرها ، وبالتالي فإن هذا المفهوم سيتغير حتماً لأن من تخرج لرفع مستواها ومستوى الأسرة الاقتصادي فإنها تجاهد في سبيل الله وهذا يتعارض مع المفهومات القديمة لعمل وخروج المرأة من المنزل .

وكذلك إستقلالية المرأة قانونياً وذلك بالتدرج مما يعطيها حركة ومساحة أكبر من الحرية للدفاع عن حقوقها في المحاكم وغيرها وما يترتب على ذلك من توازن في السلطة داخل الأسرة الواحدة .
2- سيتجه المجتمع إلى مستهلك شره لمنتجات الشركات التي تنتج ليستهلك الأخرون ، وستوجد المنافسة الاجتماعية للإستهلاك لدرجة أن من لا يقتني السلعة الفلانية أو المنتج الفلاني يعد من القرون الوسطى وربما أخرج من دائرة الإنسانية ، وطبعاً هذا سيوجه الطاقة المالية للمجتمع والأفراد إلى الملذات الكمالية ويبعدهم عن الانتاج الحقيقي الذي يقدم المجتمع إلى الإمام ، وسيقع الفرد والمجتمع رهينة للبنوك والمديونيات العامة ، وهذا يعرض المجتمع والفرد إلى الانهيار السريع .
3- أما على المستوى العلمي والدراسي فإن متطلبات السوق توجب إيجاد أناس يفكرون ويبدعون ويستطيعون حل مشاكل الشركات والمصانع ، وبالتالي فإن هذا سيؤثر على نوعية التعليم بشكل إيجابي وسيكون هناك إدخال للغات الحية في التعليم بشكل مكثف والتعلم على استخدام الحاسب الآلي في جميع المراحل الدراسية .
4- سوف تبدأ تنمو ثقافة جديدة مثل ثقافة الانتاجية ، وهذا سيؤثر على كثير من مجريات الأمور منها الجمعيات الخيريه التي بدأت تتبنى مفهوم الأسر المنتجة .

ما العمل :

فبعد هذا العرض الموجز والسريع لأثار إنضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية ، ما هي طرق المقاومة والمجابهة ، هل نستسلم أم لا ، أم أن هناك ما يسمى بالإدارة الشعبية فيا ترى هل لها دور أم ماذا ؟

وحتى لا نخسر الكثير ونبقى متفرجين غير فاعلين لابد أن نتحرك ويكون التحرك على عدة مستويات :
أ-على مستوى الدولة :

1- عمل تكتلات إقليمية سواء عربية أو خليجية أو إسلامية شاملة فالتكتل القوى والحقيقي المعترف به حسب المعايير الدولية يكسبه ميزات تنص عليها الاتفاقية كما يكسبه ميزة تفاوضيه أعلى .
2- تحسين الوضع السياسي وإدخال أفراد الشعب من ضمن المعادلة السياسية وكذلك تحسين الأنظمة والقوانين لصالح الشعب .
3- الاصلاح الشامل للتعليم .
4- دعم المجتمع المدني وذلك بدعم مؤسساته الأهلية والعلمية لأنها ذات قدرة على التخفيف من وطأة العولمة .

ب-على مستوى المجتمع :-
1- زيادة التكاتف الاجتماعي وتطوير ثقافة التكاتف على أساس الانتاج والتوجيه وليس على أساس الإعالة .
2- نشر وعي الادخار وليس الاكتناز كما يخلط بينهما ، ومحاولة إيقاف حركة الاستهلاك الشره .
3- إيجاد نسيج إجتماعي يجمع القوى لتتمحور حوله وتعمل بيد واحده .
ج- على مستوى الفرد :
1- العمل بثقافة الانتاج وليس الاستهلاك .
2- وضع أهداف محددة للسير قدماً لتحقيقها أي يعيش الانسان الهدفيه الواقعيه .
3- نبذ الكسل والأخذ بالجد والعمل .
4- التركيز على تحفيز التفكير وليس الحفظ والتلقين .
5- زيادة جرعات الاحساس بالوطن الكبير وليس الانتماء الصغير .
وفي النهاية أرجو من الله أن أكون قد وفقت فيما رجوته من إضاءة بسيطة لموضوع إنضمام المملكة للمنظمة .
م . إبراهيم علي الطويل