إن مهمة جمع الأدلة الجنائية تتواصل في غرفة التشريح (أو إجراء فحص جسدي كامل للضحية في حصول اغتصاب أو تعدً ّ).
وتعني كلمة تشريح بالإنجليزية أن يشاهد الإنسان بأم عينة وهذا تماماً ما يفعله الطبيب المختص بذلك حيث تكون مهمته فحص جسد الميت بالتفصيل وتحديد سبب الوفاة إذا كان ذلك ممكناً. وقد من الضروري الحصول على أدلة تشير إلى هوية الضحية.
وفي البداية يجب أن يتأكد الطبيب الفاحص من أن الضحية ميتة بالفعل وبشكل مؤكد فهناك الكثير من الحالات المشؤومة التي أعلن فيها أول شخص يفحص الجسد بأن الوفاة قد حصلت لتظهر "الجثة" لاحقاً علامات تشير إلى أنها لا تزال على قيد الحياة ويمكن أن يحصل ذلك في غرفة التشريح وعلى طاولة التشريح ذاتها وهكذا يمكن للجرعات الكبيرة من المخدرات وأشكال أخرى من التسمم أو بالصدمة الكهربائية أن سبب حالة وفاة "مؤقتة" حيث لا يخفق القلب بشكل يمكن تمييزه أو تأكيد توقفه وحيث يتوقف "الميت" التنفس مؤقتاً أيضاً حتى إنه قد لا يكون بالإمكان "التقاط" أي نشاط كهربائي في الدماغ. وبذلك يبقى بالإمكان إعادة الضحية إلى الحياة في وحدة العناية الفائقة في المستشفى.
كذلك من المهم تحديد توقيت حصول الوفاة خاصة إذا طلب من المشبوهين لاحقاً التصريح بمكان وجودهم عند حصول الجريمة ولسوء الحظ ورغم حصول ادعاءات كثيرة حول الدقة النسبية لبعض الأساليب في هذا الإطار أي تحديد زمن الوفاة ما من وسيلة يمكن أن تعطينا ما هو أكثر من تقدير أو أرقام تقديرية. ولكن تحديد الزمن المحدد لحصول الوفاة في حالات قليلة مُثل توقف ساعة اليد أو ساعة الحائط بعد إصابتها برصاصة مُثلاً.
وكان من المألوف في الجرائم أن يقوم أول طبيب يتواجد في مسرح الجريمة بعد التأكد من وفاة بقياس حرارة الجثة بواسطة ميزان الحرارة الذي يتم إدخاله في عمق الشرج. لكن هذا يؤدي عادة إلى تبعثر الثياب (ثياب الضحية) ويتداخل حتماً مع فحص الطبيب الشرعي للسائل المنوي والدم والشعر وأية أدلة أخرى. و لذلك يفضل ترك تقدير وقت حصول الوفاة إلى ما بعد اكتمال فحص الطبيب الشرعي للجثة.
ويبدأ الجسد بفقدان الحرارة منذ لحظة الوفاة ويمكن للجسد المعتدل البنية والمغطى بالثياب في المناطق المعتدلة المناخ أن يظهر انخفاظاً في الحرارة بمقدار 1.8 درجة مئوية (أو ما يعادلها 3.2 درجة فهرنهايت) في الساعة على مدى الساعات الست أو الثماني الأولى التي تلي الوفاة مباشرة حيث يتناقص بعدها معدل انخفاض درجة الجثة. إن الجثث غير مغطاة بالثياب بحرارة الجو: ففي المناخ الحار جداً على سبيل المثال قد لا يحثل أي انخفاض لحرارة الجثة حتى إنه يمكن لهذه الجثة أن تصبح أكثر دفأ بعد وفاة في هذا المناخ.
وخلال تشريح الجثة يتم أخذ عينات من مختلف سوائل لجسد بما فيها الدم والبول والسائل المحيط بالدماغ وهناك ادعاء يقول بأن التغيرات التي تحصل في التكوين الكيميائي لهذه السوائل يمكن توفر لنا إشارة إلى ساعة حصول الوفاة ولكن ليس هناك من طريقة لأخذ الأحوال الجسدية والنفسية التي قد تؤثر في معدل حصول هذه التغيرات في عين الاعتبار. وهناك أسلوب آخر تم اقتراحه في هذا الاطار وهو تحليل محتوى البوتاسيوم في الرطوبة الزجاجية في العين، والذي يتزايد بثبات على مدى الأيام الأربعة أو الخمسة التي تلي الوفاة. ولكن وبما أن أحداً لا يعرف المستوى الأولى للبوتاسيوم في العين الحية لا يمكن الوثوق بهذا الأسلوب أكثر من غيره من الأساليب.
وهناك إشارة أخرى إلى تحديد زمن الوفاة وهي التيبس أي تيبس الجسد بعد الوفاة ففي الأحوال الطبيعية تبدأ عضلات الوجه بالتيبس في غضون ست ساعات بعد الوفاة. وبعد اثنى عشرة ساعة على الوفاة يصبح الجسد كله متيبساً ثم يبدأ بالتراخي تدريجياً مع بدء حصول انحلال النسيج فيه
وفي البداية يصف الطبيب الشرعي الذي يشرح الجثة المظهر الخارجي للجثة: مثل الملامح الجسدية الخارجية والنوع العرقي للجسد فضلا ً عن أي ملابس كان يرتديها الميت عند وفاته والتي تكون قد تضررت وبشكل واضح بفعل أي سلاح استعمل لقتل صاحب الجثة. وبعد نزع ثياب الميت بكل انتباه وتقطيعها إذا كان ذلك ضرورياً يتم فحص الوضع الخارجي للجثة بإمعان وهنا يكون لون الجثة مهماً خلال التشريح أو قبله لأن هذا اللون قد يشير إلى احتمال حصول تسمم قبل الوفاة والذي ربما أدى إلى تلك الوفاة خاصة بفعل أول أكسيد الكربون وهنا يجب على مشرح الجثة أن يصف أي كدمات أو جراح في الجثة فضلا ً عن حالة العينين كذلك يجب أن يدقق مشرح الجثة ويبحث عن حالة ركود الدم في جسد الميت.
وقد تحصل حالة ركود الدم هذه التي تظهر في شكل شحوب الجسد الميت أو ازرقاق أو زرقة لونه فوراً بعد الوفاة وعندما يتوقف نبض القلب يتوقف دوران الدم فيالجسد حالاً بعد الموت وتسبب قوة الجاذبية انحدار الدم عبر الأوعية الدموية إلى أسفل أجزاء الجسد وتستقر أو تركد الكريات الحمراء في الدم أولاً ويصبح ذلك مرئياً بحصول بقع أو لطخ زهرية اللون مائلة إلى اللون الأزرق في غضون ساعة إلى ثلاث ساعات بعد حصول الوفاة وبعد ست إلى ثماني ساعات على حصول الوفاة تتحصل هذه البقع ببعضها البعض ويمكن أن يكون ظهور هذه البقع الداكنة إشارة مفيدة بأن الجثة قد نقلت إلى موقع مختلف بعد عدة ساعات من الوفاة وفي بعض الأحيان قد يظن بعض أفراد الشرطة أن تلك البقع هي كدمات بحيث يفترضون أن الضحية قد خضعت للضرب المبرح قبل الوفاة ورغم أنه سرعن ما يتمكن الطبيب الشرعي من تحديد الطبيعة الحقيقية لأي بقع يغاير لونها لون بقية الجسد يمكن حتى للخبراء في هذا المجال أن يختلفوا في تحديد ذلك وحتى في تحديد وجود كدمات حقيقية على جسد الضحية.
وإذا كانت هوية الضحية مجهولة غالباً ما يتم في هذه الحالة رفع بصمات الأيدي خلال الفحص الأولى للجثة ويقوم عندها ضابط التحقيق بفحص ثياب الضحية بحثاً عن أية أدلة أو مفاتيح تؤدي إلى اكتشاف ما يمكن اكتشافه وفي حالة عدم وجود أي مستندات مع الضحية مثل رخصة قيادة السيارات أو سندات دين أو رسائل أو حتى بطاقات سينما والتي يمكن أن تؤدي إلى كشف هوية الضحية عندها لابد من فحص أي ما يمكن أن يشير إلى مكان شراء الضحية للملابس التي يرتديها وكذلك نوع ومكان شراء الحذاء الذي يرتديه فضلاً عن نسخة عن بصمات أسفل الحذاء وذلك للتخلص من بصمات أحذية أشخاص آخرين حضروا مكان الجريمة كذلك يجب الحصول على قالب لأسنان الضحية في هذه المرحلة أو يحصل ذلك لاحقاً على أيدي طبيب أسنان له خبرة في هذا المجال وفي النهاية يتم فحص الجثة للبحث عن آثار حقن رغم أن هذه الآثار غالباً ما تكون صغيرة للغاية أو غير واضحة ويحصل هذا خصوصاً عندما يكون للضحية سوابق في تعاطي المخدرات أو في حالة وجود وشم على الذراعين
وهكذا يصبح الطبيب الشرعي الآن جاهزاً لبدء بتشريح الجثة وفي البداية يتم أخذ عينات من مساحات جسدية مثل اليدين والفم والثديين والمهبل (عند النساء) والشرج وفي حالة حصول اعتداء جنسي على الضحية يتم قص شعر الفرج عند النساء من الضحايا وحفظه في كيس خاص بالأدلة أو في علبة مشابهة وذلك لدرس إمكانية اكتشاف بعض الشعرات الغريبة عن شعر فرج الضحية ويتم فحص الشرج بالطريقة ذاتها إن المرحلة الأولى من الفحص الداخلي للجثة هي عبارة عن شق حز كبير بشكل Y والذي يبدأ خلف كل أذن ويمتد نزولاً عبر عظم القص (العظم الممتد وسط الصد) وصولاً إلى الأربية ( منطقة الاتصال بين الفخذ والبطن) وهذا الشق يمكن الطبيب الشرعي من سلخ الجلد بحيث يظهر باطن العنق وباطن الصدر ويكشف بالتالي عنالعظام والعضلات والأعضاء الداخلية كذلك يكشف الشق عن وجود أي كدمات تحت الجلد والتي لم تظهر خلال الفحص الخارجي للجثة كذلك يتم أخذ عينات نسيجية من أي جراح وكدمات بعد استكشاف كل الجراح الموجودة داخل الجسد ووصفها بكل عناية وانتباه وفي حالة إصابة الضحية بطلقات نارية يجب استخراج الرصاص من الجثة كذلك يعمل الطبيب الشرعي على فحص أي عظام منكسرة داخل الجثة خاصة في حال كون الوفاة ناجمة عن خنق بحيث يتم التركيز على فحص عظام العنق.
من ناحية أخرى يجب قص عظام الصدر لإخراج الرئتين والقلب وأعضاء أخرى مطلوبة للمراحل التالية من الفحص والتحليل بعد ذلك تفتح جمجمة الرأس بحيث يتواصل الشق الأولى إلى الأعلى عبر سطح الرأس ويتم سلخ فروة الرأس لتظهر عظامالجمجمة ويتم استعمال منشار دائري لقص الجمجمة وتحريك سطحها هنا يجب على الطبيب الشرعي أن يفحص الدماغ وكل ما هو موجود داخل الجمجمة بدقة للبحث عن أي إصابات ممكنة ويمكن لآثار الإصابات القديمة أن تعطينا دلائل إلى نمط السابق لحياة الضحية بعد ذلك يرفع الدماغ من الجمجمة لفحصه في مرحلة لاحقة ويمكن للطبيب الشرعي الذي يتحلى بالخبرة أن يكمل عملية التشريح بأكملها في غضون نصف ساعة أو أقل.
وفي حالة إصابة الضحية بالحريق أو إذا كانت الوفاة ناجمة عن حريق أو الغرق في الماء يستكشف الطبيب الشرعي خلال خلال التشريح الجثة الممرات الهوائية فيها للبحث عن آثار السخام (مواد سوداء تبقى بعد الحريق) أو الماء كذلك يفحص الطبيب الشرعي محتويات المعدة لأنها يمكن أن توفر دليلاً عن الفترة الزمنية ما بين آخر وجبة طعام تناولها الضحية ولحظة الوفاة.
وخلال عملية التشريح يكتشف الطبيب الشرعي في بعض الأحيان علامات تشير إلى حدوث تسمم وهنا غالباً ما تكن حاسة الشم عند الطبيب المشرح مهمة جداً وذلك لاكتشاف وجود مواد مثل الأمونيا أو الفينول (حمض الكربوليك) في المعدة أو رائحة أو نكهة اللوز المر المميزة لمادة السيانيد السامة وفي حالات الانتحار قد يضطر الكبيب الشرعي إلى أخذ عينات من كل المواد الكيميائية في الجسممن ناحية أخرى قد تشير حالة الكبد إلى التليف والتشمع أو التهاب الكبد رغم أن الكثير من الأدوية خاصة عند تناولها جرعات كبيرة من مادة باراسيتامول تؤدي إلى مظاهر مشابهة في الكبد وهنا يصبح من الضروري إجراء المزيد من الاستقصاء والبحث في المختبر كذلك قد يكون التهاب الكلي ناتجاً عن امتصاص املاح معدنية سامة مثل مركبات مادة الزئبق أو التسمم المزمن بمادة الرصاص أو بالاستعمال المطول والزائد لمادة فيناسيتين
وهنا يكتمل النشاط الأولى للطبيب الشرعي المشرح حيث يتابع العمل تحت إشرافه اختصصه مساعدون له في مجالات دراسة الأمصار وتحليل الأنسجة وطب الأسنان وطب السموم أو الانسمام وعلم السلالات الشرعي والذين يتعابعون البحث والاستقصاء.