حولت المادة الرابعة من القانون رقم 81 لسنة 1969 المحكمة العليا اختصاصات أربعة هي :
الاختصاص الأول :
الفصل في دستورية القوانين ، وذلك إذا دفع أمام إحدى المحاكم بعدم دستورية قانون وكان الدفع جديا يتوقف عليه الفصل في الدعوى الأصلية . وتحدد المحكمة التي أثير أمامها الدفع للخصم ميعادا لرفع دعوي الطعن في دستورية القانوني أمام المحكمة العليا وتوقف الفصل في الدعوى الأصلية حتى تفصل المحكمة العليا في المسالة الدستورية .
فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد لذي تحدده المحكمة اعتبر الدفع كان لم يكن .
ولا شبهة في أن اختصاص المحكمة العليا بالفصل في دستورية القوانين يعتبر أهم اختصاصاتها .
وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية بالقانون رقم 81 لسنة 1969 تعليقا علي المادة الرابعة فيه " أن المشرع قصر ولاية الفصل في دستورية القوانين علي المحاكم العليا دون سواها حتى لا يخرج البت في مسالة علي هذا القدر من الخطورة للمحاكم علي مختلف مستوياتها حسبما جري عليه العرف القضائي وحتى لا تتباين وجوه الرأي فيها .
الاختصاص الثاني :
تفسير النصوص القانونية التي تستدعي ذلك بسبب طبيعتها أو أهميتها وذلك بناء علي طلب وزير العدل ويكون التفسير ملزما .
ومن شان هذا الاختصاص أن يرسي القواعد القانونية علي أسس ثابتة مستقلة واضحة ، لا لبس فيها ولا غموض مما يوحد مدلولها لدي الجميع ويرفع الخلاف حول هذا المدلول ، ويزيل ما كان يترتب عليه من تناقض وتباين في أحكام القضاء التي تطبق هذه القواعد وفي غيرها من تصرفات الأجهزة الإدارية .
ونظرا لأهمية تفسير القوانين فقد أوجب القانون أن يكون التفسير بناء علي طلب وزير العدل يزنه ويقدره من حيث أهمية القوانين المطلوب تفسيرها أو طبيعتها وبتخويل المحكمة العليا هذا الاختصاص بتفسير كافة القوانين تفسيرا تشريعيا ملزما لم يعد المشرع في حاجة إلى أن يكل هذه المهمة إلى لجان إدارية مختلفة مثل لجنة تفسير قانون العاملين ولجنة تفسير قانون الإسكان التي كانت تتولى هذا الاختصاص وفي خصوص تفسير القوانين سار الخلاف أمام بعض جهات القضاء حول تفسير الدستور هل يدخل في عموم لفظ القوانين فيتناوله اختصاص المحكمة بالتفسير أم انه لا يعتبر قانونا في هذا الصدد ومن ثم لا تختص المحكمة بتفسيره .
ولو أن هذا الخلاف لم يثار أمام المحكمة إلا انها حسمته بقضاء ضمني عندما قدم إليها وزير العدل طلبا بتفسير المادة 94 من الدستور لبيان ما إذا كان هذا النص يحول بين عضو مجلس الشعب الذي أسقطت عنه العضوية طبقا للمادة 96 من الدستور وبين ترشيح نفسه لعضوية المجلس في المكان الذي خلا بإسقاط عضويته في ذات الفصل التشريعي الذي تم إسقاط عضويته فيه . وقد كان سكوت المحكمة عن إثارة هذه المسالة لاقتناعها التام بأنها فوق أي شك لان الدستور أولا لا يخرج عن أن يكون قانونا منظما لسلطات الدولة بل هو راس القوانين وقد استقر هذا الرأي بين الكثرة الساحقة من فقهاء القانون الخاص الذين عرضوا له في بيان مفهوم القاعدة القانونية . وكذلك فقهاء القانون العام .
الاختصاص الثالث :
الفصل في طلبات وقف تنفيذ الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم المشكلة لفصل في منازعات الحكومة والقطاع العام وذلك متي كان شان تنفيذ هذه الأحكام الأضرار بالخطة الاقتصادية العامة لدولة أو الإخلال بسير المرافق العامة .
وهذا الاختصاص مستحدث ذلك أن أحكام هيئات التحكيم في المنازعات المشار إليها كانت إحكاما نهائية لا معقب عليها – ونظرا لما قد يترتب علي تنفيذ هذه الأحكام من إضرار بأهداف لخطة الاقتصادية أو إخلال بسير المرافق العامة فقد أجاز القانون للخصم المحكوم عليه طلب وقف تنفيذ الحكم علي أن يتقدم طلب وقف التنفيذ من النائب العام بناء علي طلب الوزير المختص .
وتقض المحكمة العليا في هذه الطلبات أما بوقف تنفيذ الأحكام أو بتعجيل طريقة تنفيذها علي نحو لا يضر بأهداف الخطة ولا يخل بسير المرافق العامة وأما برفضها .
وقد أوجب القانون عليها إذا قضت بوقف تنفيذ الحكم أن تتصدى للموضوع وتفصل فيه .
الاختصاص الرابع :
الفصل في مسالة تنازع الاختصاص بين جهات القضاء المختلفة ، وقد حلت المحكمة العليا في هذا الاختصاص محل محكمة تنازع الاختصاص التي كانت تشكل من أعضاء من محكمة النقض وأعضاء من المحكمة الإدارية العليا .
وليس من شك أن الخلاف حول موضوع الاختصاص ضار ابلغ الضرر بمصالح الجمهور وقد يفوت عليه حقوقا هامة ثابتة وقد احسن المشرع إذ وكل الفصل في مسائل تنازع الاختصاص بين جهات القضاء إلى المحكمة العليا باعتبارها علي جهة قضائية .
ثالثا – أهم الاتجاهات التي تصدت لها المحكمة العليا
أهم اختصاصات المحكمة العليا كما سبق أن أشرنا هو اختصاصها برقابة دستورية القوانين وفي هذا الصدد وقد اعتدت المحكمة بقرينة مؤداها أن الأصل فيما يصدر عن السلطة التشريعية من قوانين انها صادرة في حدود الدستور ومن ثم يجب علي القاضي عند فحص دستورية القوانين أن يلاحظ هذا الأمر فلا يخرج علي مقتضى هذه القرينة إلا إذا كان التعارض بين الدستور والقانون واضحا بحيث يستحيل التوفيق بينهما . وبعبارة أخرى فان المحكمة لا تقض بعدم الدستورية إلا إذا كانت مخالفة القانون للدستور فوق مستوي كل شك معقول .
ولمـ كانت المحكمة لا تمارس في رقابة دستورية القوانين إلا رقابة فنية ذات طابع قانوني فانه يتعين عليها أن تلتزم الضوابط الآتية عند ممارسة هذه الرقابة .
(أ) أن المحكمة لا تناقش ضرورة التشريع أو عدم ضروريته .
(ب) انها لا تراقب ملاءمته ولا حكمته .
(ج) انها تتخذ من ظاهر النص التشريعي أساسا لفحص دستوريته فلا يجوز لها أن تتجاوز هذه الظاهرة إلى بواعث التشريع وأسبابه البعيدة ذلك لان هذه الأمور جميعا مما يدخل في صميم اختصاص السلطة التشريعية وتقديرها المطلق .
في ضوء هذه الضوابط فأننا نستطيع أن نشيد لي بعض الاتجاهات القضائية للمحكمة لعليا وهي تباشر رقابتها علي دستورية القوانين ومن ذلك :
( أ ) أن رقابة المحكمة تمتد إلى القوانين الصادرة قبل إنشائها وقبل تاريخ نفاذ الدستور الذي صدر قانون المحكمة في ظله أو نفاذ الدستور القائم . وقد حسمت المحكمة العليا هذا الأمر في حكمها الصادر في مارس 1971 في القضية رقم 3 لسنة 1 قضائية دستورية وقد جاء في أسباب هذا الحكم .
" من حيث أن المادة 166 من الدستور التي يستند إليها " .
" المدعي عليه والحكومة في تأييد هذا الدفع تنص " .
" علي أن " كل ما قررته القوانين والقرارات والأوامر " .
" واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقي " .
" نلفذء ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقا " .
" للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور " .
وقد ترد هذا النص بمدلوله ومعناه مع اختلاف يسير في صيغته في الدساتير المتعاقبة منذ سنة 1923 ومنها الدستور الصادر عام 1956 الذي تضمن نصين لكل منهما مجال يختلف عن مجال الآخر . أولهما نص المادة 190 وهو مطابق لنص المادة 166 من الدستور الذي تقدم ذكره والثاني – نص لمادة 191 – الذي يقضي بان " جميع القرارات التي صدرت من مجلس قيام الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من أي هيئة أخرى من الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجهه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت " وظاهر من هذين النصين أن لكل منهما مجالا يختلف عن مجال الآخر وان المشرع لم يلتزم في دستور سنة 1956 موقفا واحدا من التشريعات السابقة علي تاريخ العمل به بل غاير بينهما فيما اسبغ عليهما من الحماية فاتخذ بالنسبة إلى بعضها موقفا اقتضته ضرورة تحصين التشريعات والتدابير والإجراءات الثورية الاستثنائية التي اتخذت في ظروف لا تقاس فيها الأمور بالمقياس العادي وذلك بالنص علي عدم جواز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت – بينما اتخذت بالنسبة إلى سائر التشريعات الأخرى أسلوبا أخر ينطوي علي حماية ادني من تلك التي اسبغها علي التشريعات الثورية الاستثنائية المتقدم ذكرها وذلك بالنص علي بقائها نافذة مع إجازة إلغائها أو تعديلها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور – وهذه المغايرة التي قصد إليها المشرع عند تحديد موقفه من التشريعات السابقة علي الدستور في نصين مختلفين في دستور واحد فان كلا منهما يقرر حكما يختلف عما قرره الآخر وانه إنما يستهدف تحصين التشريعات التي حددها علي سبيل الحصر في المادة 191 منه دون غيرها من التشريعات التي وقف بالنسبة إليها عند حد النص علي استمرار نفاذها وذلك تجنبا لحدوث فراغ تشريعي يؤدي إلى الاضطراب والفوضى والإخلال بسير المرافق العامة والعلاقات الاجتماعية إذا سقطت جميع التشريعات المخالفة للدستور فور صدوره – ولو أن المشرع أراد تحصين التشريعات السابقة علي الدستور ضد الطعون القضائية لأفصح عن ذلك في نص واحد عام يتناولها كافة ولم يكن في حاجة إلى إيراد نص أخر يغاير ذات المعني في موضوع واحد .
ومن حيث أن المشرع احتزا بنقل المادة 190 من دستور سنة 1956 إلى المادة 166 من دستور 194 ولم ينقل المادة 191 من ذلك الدستور التي استنفدت أغراضها إذ أسبغت علي التشريعات الثورية الاستثنائية التي صدرت منذ قيام الثورة حتى عام 1965 حصانة نهائية لا مبرر لها ولا مسوغ لتكرار النص عليها – ولا ريب انه لا يعني بنص المادة 166 من دستور 1964 غير ما عناه بأصله الوارد في المادة 190 من دستور سنة 1956 وهو مجرد استمرار نفاد التشريعات السابقة علي الدستور دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب ودون تحصينها ضد الطعن بعدم الدستورية شانها في ذلك شان التشريعات التي تصدر في ظل الدستور القائم وليس معقولا أن تكون التشريعات التي صدرت قبل صدور الدستور وعلي الخصوص التشريعات الصادرة قبل قيام الثورة في ظل نظم سياسية واجتماعية واقتصادية مغايرة في أساسها وأصولها ومبادئها في ظل نظم سياسية واجتماعية واقتصادية مغايرة في أساسها وأصولها ومبادئها للنظم التي استحدثها الدستور – ليس معقولا أن تكون هذه التشريعات بمناي عن الرقابة التي تخضع لها التشريعات التي تصدر في ظل نظمه وأصوله لمستحدثه مع أن رقابة دستوريتها أولى وأوجب .
(ب) : موقف المحكمة العليا من معني القانون الذي تراقب دستوريته وهل يقتصر ذلك علي القانون بالمعني الشكلي أي لقانون الصادر من البرلمان أم علي القانون بمعناه الموضوعي بما يتسع ليشمل اللوائح أو القرارات التنظيمية العامة .
ونحب قبل أن نشير إلى اتجاه المحكمة العليا في هذا الصدد أن نذكر ما قاله في هذا الخصوص الزميل الأستاذ الدكتور ثروت بدوي حيث يقول " . . . اسقر واجمع الفقه علي تعريف القانون – في شان الرقابة علي دستورية القوانين – تعريفا شكليا يقصره علي القوانين الصادرة من السلطة التشريعية المختصة ( البرلمان بمجلسيه أو مجلس الأمة ) وكل محاولة لإدراج اللوائح الإدارية أو بعضها مثل لوائح الضرورة أو اللوائح التقليدية تحت مدلول القانون الذي تختص المحكمة العليا وحدها بالنظر في دستوريته هي محاولة مقضي عليها لمجافاتها لطبيعة الرقابة علي دستورية القوانين والأصول التي تقوم عليها " .
ومع هذا يقول الأستاذ الدكتور / ثروت قد اتجهت المحكمة العليا اتجاها مخالف لهذا الرأي تمام المخالفة إذ قالت في حكمها الصادر في 5 يونيه 1971 في القضية رقم 4 لسنة 1 وقائية دستورية ما يلي :
" ومن حيث أن رقابة دستورية القوانين تستهدف صون الدستور وحمايته من الخروج علي أحكامه باعتباره القانون " الأساسي الأعلى الذي يرسي الأصول والقواعد التي يقوم عليها نظام الحكم ولما كان هذا الهدف لا يتحقق علي الوجه " الذي يعنيه المشرع في المادة الرابعة من قانون إنشاء المحكمة العليا وفي مذكرته الإيضاحية إلا إذا انبسطت رقابة المحكمة علي التشريعات كافة علي اختلاف أنواعها ومراتبها سواء أكانت تشريعات أصلية صادرة من الهيئة التشريعية أو كانت تشريعات فرعية صادرة من السلطات التنفيذية في حدود اختصاصها الدستوري ذلك أن مظنة اقوي في التشريعات الفرعية منها في التشريعات الأصلية التي يتوفر لها من الدراسة والبحث والتمحيص في جميع مراحل إعدادها ما لا يتوفر للتشريعات الفرعية التي تمثل الكثرة بين التشريعات كما أن منها ما ينظم حرية المواطنين وأمورهم اليومية مثل لوائح الضبط يؤيد هذا النظر أن التشريعات الفرعية . كاللوائح تعتبر قوانين من حيث الموضوع وان لم تعتبر كذلك من حيث الشكل لصدورها من السلطة التنفيذية وهذه الوسيلة اكثر ملاءمة لمقتضيات أعمال السلطة التنفيذية وتطورها المستمر ولو انحصرت ولاية المحكمة عن رقابة التشريعات الفرعية لعاد أمرها كما كان إلى المحاكم تقضي أحكام غير ملزمة يناقض بعضها بعضا وأهدرت الحكمة التي تغياها المشرع بإنشاء المحكمة العليا والتي أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية لقانون إنشائها كي تحمل دون سواها رسالة الفصل في دستورية القوانين .
(د) حق البرلمان في التفويض التشريعي :
يثير حق البرلمان في تفويض بعض اختصاصاته التشريعية إلى السلطة التنفيذية جدلا علميا ذلك أن ثمة رأيا في الفقه الدستوري يذهب إلى أن الوصل في الأمور هو أن تقوم كل سلطة من سلطات بوظيفتها وان لا تحيل هذه الوظيفة إلى غيرها .
ولا يجادل أحد في أن التفويض الكامل في السلطة غير متصور ولا ممكن ولا يتوافق مع القواعد والمبادئ الدستورية العامة .
كذلك فان أحدا لا يجادل في أن التفويض في السلطة هو من قبيل الخروج علي الأصل العام في قيام كل سلطة بوظيفتها ومن ثم فان هذا التفويض يظل في حدود الاستثناء الذي يجب أن لا يتوسع في تفسيره .
ومع ذلك فقد درج العمل ودرجت الدساتير عندنا وعند غيرنا علي إمكانية التفويض التشريعي في ظروف معينة وبقيود خاصة .
وقد جري بذلك كثير من النصوص الدستورية في مصر سواء قبل الثورة أو بعدها .
وكانت المادة 120 من الدستور المؤقت الصادر عام 1964 تعطي مجلس الأمة حق تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بقوانين إذ قالت :
" ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة ، وان يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم عليها " .
واستنادا إلى هذا النص اصدر مجلس الأمة في 29 مايو 1967 القانون رقم 15 لسنة 1967 بتفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بقوانين وذلك بنصه في المادة الأولى منه علي أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تتصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل امكنياتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية " .
واستنادا إلى هذا القانون بتفويض رئيس الجمهورية ذلك التفويض الواسع فقد اصدر الرئيس العديد من القرارات بقوانين التي كان من بينها القرار بقانون رقم 81 لسنة 1969 بإنشاء المحكمة العليا نفسها والقرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وسقاط أسماء عدد كبير من المستشارين والقضاة وأعضاء النيابة العامة بلغ بضعة مئات(47) من جدول رجال القضاء وعدد أخر من القرارات بقوانين .
وقد دفع كثير من المتقاضين أمام المحاكم بعدم دستورية كثير من القرارات بقوانين الصادرة استنادا إلى القانون رقم 15 لسنة 1967 المشار إليه .
وقد نجا القرار بقانون رقم 81 لسنة 1969 بإنشاء المحكمة العليا من الطعن نظرا لان المادة 192 من دستور سبتمبر 1971 نصت علي أن : " تمارس المحكمة العليا اختصاصاتها المبينة في القانون الصادر بإنشائها وذلك حتى يتم تشكيل المحكمة الدستورية العليا " .
وبذلك استند قانون المحكمة العليا هذا النص الدستوري ولم يعد في حاجة إلى أن يستند إلى قانون التفويض .
ولما كانت القرارات بقوانين الأخرى الصادرة استنادا إلى قانون التفويض لا تجد لها مثل هذا السند الدستوري فقد طعن في العديد منها أمام المحكمة العليا نفسها فماذا كان موقفها ؟
حكمت المحكمة العليا بجلسة 3 نوفمبر 1973 في الدعوى رقم 1 لسنة 3 قضائية دستورية بقولها .
" . . . إن القانون رقم 15 لسنة 1967 بتفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون ينص في مادته الأولى علي أن يفوض رئيس الجمهورية في أدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تتصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية وينص القرار بقانون رقم 51 لسنة 1968 الصادر بناد علي قانون التفويض المشار إليه في المادة الأولى منه علي انه مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية النهائية لا يجوز للعاملين الذين سرت في شانهم لائحة نظام موظفي وعمال الشركات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961 الاستناد إلى الحد الأدنى المقرر في الجدول المرافق لهذه اللائحة للمطالبة برفع مرتباتهم أو إعادة تسوية حالاتهم أو صرف أية فروق عن الماضي " كما نص في مادته الثانية علي أن ؛ يعمل بهذا القرار بقانون من تاريخ العمل بقرار رئيس الجمهورية رقم 1598 سنة 1961 المشار إليه " وقد كشفت المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون عن مبررات إصداره فأشارت إلى أن الجمعية العمومية للقسم الاستشاري لمجلس الدولة رأت بجلستها المنعقدة في 27 من يناير سنة 1965 مقداره عشرون فيه ، بداية مربوط وظائف الكادر العالي لان مناط استحقاق هذا المرتب أن تكون الوظيفة التي يشغلها العامة من وظائف الكادر العالي وفقا للجدول الذي يضعه مجلس إدارة الشركة بالتطبيق للمادة الثالثة من اللائحة المشار إليها ، وانه بدون وضع هذا الجدول لا يتسنى اعتبار وظيفة ما من وظائف الكادر العالي ، إلا أن بعض العاملين رفعوا دعاوى طلبوا فيها منحهم الحد الأدنى المشار إليه وقد أجابهم القضاء إلى طلباتهم تأيد هذا القضاء استثناها ومن شان ذلك إذا طبق علي العاملين الذين يتساوون في مراكزهم القانوني مع العاملين الذين حصلوا علي أحكام قضائية نهائية زن يثقل كاهل بعض شركات القطاع العام بأعباء مالية لاستعفها ظروفها إلى الوفاء بها لذلك فقد أوصت اللجنة الوزارية للشئون التشريعية والتنظيم والردارة بجلستها المعقدة في 23 من يناير سنة 1968 بإعداد مشروع يؤيد وجهة النظر التي انتهت إليها الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة .
ومن حيث أن يبين من ذلك أن المشرع إصدار هذا التشريع تأييدا لوجهة النظر التي انتهت إليها الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة خشية أن يترتب علي الاسترسال في الأخذ بوجهة النظر المخالفة زن تثقل بعض شركات القطاع العام باعبء مالية قد لا تسعفها ظروفها في الوفاء بها ، فكشف بذلك عن أن هدف هذا التشريع هو دعم الاقتصاد القومي باعتبار أن شركات القطاع العام من أهم أجهزة الدولة التي تضطلع بالمسئولية الرئيسية في تنفيذ خطة التنمية ( المادتان 13 من دستور سنة 1964 و 30 من الدستور القائم ) وان نصيبها من اختلال في توازنها المالي ينعكس أثره علي الاقتصاد القومي ومن ثم يمكن أن يكون القرار بقانون رقم 51 لسنة 1968 قد صدر في النطاق الذي حدده القانون رقم 15 لسنة 1967 المشار إليه كما إن القرار بقانون 51 لسنة 168 المشار إليه لم يتضمن حظرا علي التقاضي وانما تضمن قاعدة موضوعية تقرر عدم أحقية العاملين في الحد الأقصى للمرتبات المنصوص عليها في اللائحة الملغاة دون المساس بحق التقاضي ذاته فهذا الحد الأدنى للمرتبات لا يزال متحا للعاملين ولا يتعارض مع هذا الحق التزام لمحاكم بالقاعدة الموضوعية المشار إليها إذا ما عرض النزاع عليها .
إن المساواة التي نصت عليها المادة 40 من الدستور الحالي والتي رددتها الدساتير السابقة تحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق ولكنها ليست مساواة حسابية ، ذلك لان المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التي تيساوي بها الإفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الإفراد وجب أعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية ، وإذا اختلفت الظروف بان توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها المشرع لهم ، ولما كان القرار بقانون المطعون فيه لم يمس حقوقا تقررت بأحكام قضائية نهائية احتراما لحجية هذه الأحكام وكان ما يثار بشان إعمال مبدأ المساواة هو التسوية بين من صدرت لهم أحكام قضائية نهائية ومن لم تصدر لهم مثل هذه الأحكام رغم اختلاف ظروفهم فان النعي علي القرار بقانون المطعون فيه بالإخلال بمبدأ المساواة لهذا السب يكون غير سديد لاختلاف المراكز القانونية لكل من الفريقين .
إن دستور 1964 الذي صدر في ظله القرار بقانون المطعون فيه بنص في المادة 120 علي انه لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بناء علي تفويض مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة وان يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم عليها . وظاهرة من هذا النص أن المشروع الدستوري أجاز لمجلس الأمة تفويض رئيس الجمهورية لإصدار قرارات لها قوة القانون بالشروط الواردة به ، وبصدور هذا التفويض ينتقل الاختصاص التشريعي لمجلس الأمة كاملا إلى رئيس الجمهورية في الموضوعات التي فوض فيها ويكون له حق ممارسة صلاحيات مجلس اللامة بخصوص ما فوض فيه ، ولما كان الثابت من مضبطة جلسة مجلس الأمة التاسعة والعشرون المنعقدة في 29 من مايو سنة 1967 أن القانون رقم 15 لسنة 1967 المشار إليه قدم في الأصل في صورة اقتراح بقانون من بعض أعضاء مجلس الأمة يوم 29 من مايو 1967 ثم ووفق عليه بجماع الحاضرين الذين كان يربو عددهم علي أغلبية أعضاء مجلس الأمة التي تنص المادة 163 من الدستور المذكور علي وجوب توافرها لسريان القانون بأثر رجعي وعلي ذلك فان ما يثيره المدعون من جدل حول حق رئيس الجمهورية في إصدار قانون يتضمن الأثر الرجعي يكون غير سديد .
هذا وقد عرضت المحكمة في حكمها الصادر في الدعوى رقم 9 لسنة 4 قضائية عليه دستورية بتاريخ 5 أبريل 1975 للأسس التي يقوم عليها التفويض التشريعي وطبيعة ذلك التفويض علي نحو فيه غير قليل من التأصيل مما يدعونا إلى إيراد أهم ما جاء في هذا الحكم من مبادئ وقواعد حيث قالت المحكمة العليا في ذلك الحكم .
أن ما تذهب إليه الحكومة من أن تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون بمقتضى القانون رقم 15 لسنة 1967 يرتفع إلى مرتبة الأعمال السياسية التي لا تخضع لرقابة هذه المحكمة مردود بان التفويض نظام وضع الدستور أساسه ورسم حدوده وضوابطه وجب لذلك أن يكون أجزاؤه علي مقتضى هذه الحدود والضوابط وإلا كان مخالف للدستور ومن ثم فان رقابة هذه المحكمة تنبسط عليه . إن سن القوانين عمل تشريعي تختص به الهيئة التشريعية التي تمثل الشعب طبقا للأوضاع المقررة في الدستور – والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها وظيفة التشريع وفقا لما تقضي به المادة (47) من دستور سنة 1964 والمادة (68) من دستور سنة 1971 – وألا تتخلى عنها للسلطة التنفيذية إلا انه تقديرا من جانب الشارع للظروف الاستثنائية وما تقتضيه في أحوال خاصة من الترخيص للسلطة التنفيذية في ممارسة التشريع تمكينا لها من مواجهة الظروف المذكورة وما تقتضيه من سرعة وحسم أجازت دساتير سنة 1956 وسنة 1964 سنة 1971 تفويض السلطة التنفيذية في إصدار قرارات لها قوة القانون علي أن يخضع هذا التفويض وما ينطوي عليه من توسيع استثنائي لاختصاص رئيس الجمهورية إلى قيود وضوابط تكفل بقاء زمام سلطة التشريع في يد الهيئة النيابية المختصة وعدم نزول هذه الهيئة عن ويفتها للسلطة التنفيذية .
نص دستور سنة 1964 في المادة (120) منه علي أن ( لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بناء علي تفويض مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة وان يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم عليها ) وهو ذات الحكم الذي كانت تنص عليه المادة (136) من دستور سنة 1956 .
وقد قضت المحكمة العليا انه وفقا لهذا النص يشترط لسلامة صحة التفويض أن يصدر في ظل ظروف استثنائية تبرره وان يكون لمدة محدودة وان تعين الموضوعات التي يجري فيها التفويض والأسس التي يقوم عليها – والقصد من تحديد مدة التفويض هو وضع قيد زمني لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائي من جانب السلطة التنفيذية كي تمارسه في الوقت المحدد لقيام مقتضياته ودواعيه . كما أن الدستور إذ أوجب في التفويض تعيين الموضوعات التي يجوز أن تصدر في شانها قرارات بقوانين وكذا الأسس التي يقوم عليها إنما أراد تقييد السلطة التنفيذية في ممارسة ما قوضت فيه بالحدود والقيود التي تضعها السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل بالتشريع – وإمعانا في الحيطة أضاف دستور سنة 1971 إلى هذه القيود قيدين آخرين – فارحب في المادة (108) منه أن يكون التفويض بأغلبية خاصة هي ثلثا أعضاء مجلس الشعب وان تعرض قرارات رئيس الجمهورية التي تصدر استنادا إليه علي المجلس المذكور في أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض فإذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق المجلس عليها زال ما كان لها من قوة القانون وكل ذلك ضمانا لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائي في حدود القيود والضوابط التي وضعت له .
إن القانون رقم 15 لسنة 1967 قد صدر بناء علي اقتراح تقدم به بعض أعضاء مجلس الأمة في 29 من مايو سنة 1967 – وقد بني هذا الاقتراح علي أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد تقتضي تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون كي يمارس هذه السلطة بالسرعة والحسم حماية لأمن الدولة وسلامتها وضمانا لتعبئة إمكانياتها البشرية والمادية للمجهود الحربي والاقتصاد الوطني .
ومن حيث أن الظروف الاستثنائية التي أشار إليها هذا الاقتراح كانت تنذر باندلاع الحرب بين مصر وإسرائيل وتعرض البلاد لما يهدد كيانها وأمنها وسلامها – وقد نشبت الحرب فعلا عقبي صدور قانون التفويض ببضعة أيام أي انه صدر في ظروف تبرره وكانت مواجهتها بسرعة وحسم تقتضي توسيع اختصاصات رئيس الجمهورية علي وجه يخوله إصدار التشريعات اللازمة لمواجهة تلك الظروف ودفع أخطارها .
ومن حيث أن عدم تحديد القانون رقم 15 لسنة 1967 للمادة التي يجري فيها التفويض بوحدة أو اكثر من وحدات قياس الزمن لا يعني خلوه من أي تحديد لتلك المدة – ذلك انه قد تضمن ضابطا يمكن علي أساس تحديدها وهو قيام الظروف الاستثنائية التي حدت بمجلس الأمة التي تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون في الموضوعات التي قوض فيها – وقد كشفت الأعمال التحضيرية لهذا القانون عن عملة تحديد مدة التفويض علي هذا الوجه – ذلك انه عند عرض مشروع القانون علي مجلس الأمة بجلسة 29 مايو سنة 1967 دارت مناقشة حول تحدي مدة التفويض فقال رئيس مجلس الأمة أن المدة حددت بأنها ( خلال الظروف الاستثنائية القائمة ) وانه فضلا عن ذلك وكما هو واضح فان تحديد وقت معين أو مدة محددة لمباشرة هذه الصلاحيات أمر صعب غاية الصعوبة بل يكاد يكون مستحيلا لان المعركة متحركة مترجحة تتغير بين يوم وأخر وليس واضحا ما إذا كانت هذه الظروف قد تنتهي في بحر ستة اشهر مثلا أو ثلاثة أسابيع أو في أسبوعين فليس ممكنا تحديدها بوقت معين يوكفي أن تحدد بأنها الظروف الاستثنائية القائمة – وربط التفويض بتلك الظروف بحيث يدور معها وجودا وعندما ينطوي علي تحديد لمدة التفويض تنفي معه مخالفة الدستور في هذا الصدد .
ومن حيث انه بالنسبة إلى الموضوعات التي يجري فيها التفويض فان المادة الأولى من القانون رقم 15 لسنة 1967 قد حددت هذه موضوعات بأنها هي التي تتعلق بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانياتها البشرية والمادة ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني ) – وانه ولئن كان هذا التحديد يتسم بالسعة فرن ذلك تبرره جسامة الإخطار التي تعرضت لها البلاد وما تتطلبه مواجهتها من تحويل رئيس الجمهورية سلطة تقديرية واسعة تمكنه من التصرف بسرعة وحسم لمواجهة تلك الإخطار – ولي من شانها أن تعيب القانون فيما انطوي عليه من تفويض تلك الموضوعات بعيب مخالفة الدستور وخاصة فانه تضمن معيارا عاما يمكن علي أساسه رسم حدود التفويض التي يتعين التزامها في ممارسة رئيس الجمهورية ما قوض فيه من اختصاص استثنائي وهو أن يكون ما يصدره من قرارات في الموضوعات التي خوض فيها ضروريا لمواجهة الظروف الاستثنائية التي تعرضت لها البلاد ، أما ما تضمنته العبارة الأخيرة من المادة المذكورة من تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون ( بصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ) – فانه لا ينفي عن الشطر الأول من النص استيفائه لشرط تعيين الموضوعات التي يجري عليها التفويض وذلك بالنسبة إلى الموضوعات المحددة فيه علي الوجه السابق بيانه .
إن النعي علي القانون رقم (15) سنة 1967 بمخالفة الدستور لخلوه من الأسس التي تقوم عليها الموضوعات التي فوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بشأنها – هذا النعي مردود بان الأسس المذكورة مستفادة من نص القانون وإعماله التحضيرية والظروف التي صدر فيها والأهداف التي قصدت السلطة التشريعية التي تحقيقها عن طريق التفويض وقد اقر القانون قيدا أساسيا يقيد السلطة التنفيذية فيما تصدره من قرارات بقوانين هو أن تكون تلك القرارات ضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية – وقد أكدت الأعمال التحضيرية للقانون أن هذا القيد أسسا للتفويض تمكينا لرئيس الجمهورية من ممارسة الاختصاص الذي فوض فيه ( بسرعة وحسم ) وذلك لعلة ظاهرة وهي عجز الإجراءات التشريعية العادية بسبب طولها وبطنها عن مواجهة تلك الظروف بما تقتضيه من السرعة والحسم .
إنه لا يجدي المدعين طعنهم في القرار بقانون رقم 50 سنة 1969 المبني علي القول بخروجه عن نطاق التفويض لان مجلس الأمة وهو الهيئة صاحبة الاختصاص الأصيل في التشريع قد اقر أحكامه وذلك بموافقته علي مشروع قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الذي صدر به القانون رقم 67 لسنة 1964 – إذ ينص هذا القانون في المادة الخامسة منه علي انه ( مع عدم الإخلال ) بأحكام القانون رقم 50 لسنة 1961 يعتد بالحالة المدنية لإفراد الأسرة التي يكونون عليها وقت العمل بأحكام هذا القانون ) – وفي المادة السابعة علي أن ( يسري في شان الأراضي التي تسترد طبقا لهذه المادة أحكام القانون رقم 50 لسنة 1969 يتعين حد أقصى لملكية الأسرة والفرد في الأراضي الزراعية وما في حكمها – ويجوز أن يستردون هذه الأراضي توفيق أوضاعهم إعمالا لاحكام المادة 4 من القانون المذكور خلال السنة التالية للعمل بهذا القانون ويعتد في ذلك بالحالة المدنية للأسرة في تاريخ العمل بالقانون رقم 50 لسنة 1969 المشار إليه ) – كما ينص في المادة 21 منه علي أن ( فيما عدا الأراضي التي لا ترد عينا طبقا للمادة السابعة تفسخ عقود بيع الأراضي الزراعية المملوكة التي لا ترد عينا طبقا للمادة السابعة تفسخ عقود بيع الأراضي الزراعية المملوكة للأشخاص الذين رفعت عنهم الحراسة المفروضة استنادا إلى القانون رقم 119 لسنة 1964 ) وذلك إذا كانت قرارات رفع الحراسة أو الاستثناء قد نص فيها علي اعتبار أراضيهم مبيعة – وتسلم إليهم هذه الأراضي محملة بعقود الإيجار المبرمة قبل العمل بهذا القانون وبحقوق العاملين في هذه الأراضي ويسري في شانها أحكام القانون رقم 50 لسنة 1969 – ويجوز لمن يستردون هذه الأراضي توفيق أوضاعهم إعمالا لاحكام المادة 4 من القانون المذكور خلال السنة التالية للعمل بهذا القانون ويعتد في ذلك بالحالة الإيضاحية الزراعية في نطاق قانون انه قد اعد مستهديا بأسس منها ( الرد العيني للأراضي الزراعية في نطاق قانون الإصلاح الزراعي – لاحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 الذي وضع حد أقصى للملكية الزراعية قدره خمسون فدانا للفرد ومائة فدان للأسرة ) . وظاهر من هذه النصوص انها تقضي بإخضاع من أفادوا من القانون رقم 69 لسنة 1974 – باسترداد أراضيهم الزراعية – لاحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 أسوة بغيرهم ممن خضعوا له مما يقطع في الدلالة علي إقرار مجلس الشعب لاحاكم القرار بقانون المذكور .
ومن حيث أن مجلس الشعب هو الهيئة النيابية التي تمثل الشعب والتي ناط بها الدستور سلطة التشريع وأجاز لها استثناء وبشروط معينة تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون – فان إقرار المجلس لاحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 علي الوجه المتقدم ذكره يسقط الطعن المبني علي مخالفته للدستور بمجاوزة حدود التفويض الذي تضمنه القانون رقم 15 لسنة 1967 .
والحقيقة أننا لا نجد ما نقوله علي اتجاه المحكمة العليا بالنسبة لموضوع التفويض اكثر من انها توسعت إلى مدي بعيد في تفسير الحدود التي تسمح بتفويض رئيس الجمهورية وأنها اعتبرت من قبيل ما تجيزه الظروف الاستثنائية وتبيح التفويض فيه قاعدة تقرر عدم أحقيقة العاملين في تقاضي الحد الأدنى للمرتبات المنصوص عليها في لائحة ما بدعوى أن ذلك يثقل بعض شركات القطاع العام بأعباء مالية قد لا تسعفها ظروفها في الوفاء بها . . وهذه توسعه في الحدود التي تجيز التفويض غير مبررة .
وتخشى أن نقول أن اتجاه المحكمة العليا إلى هذا التفسير الواسع الشديد المرونة كان يجد في خلفيته أن المحكمة العليا نفسها قد أنشئت بقرار قانون استنادا إلى قانون التفويض رقم 156 لسنة 1967 وقد يصعب أن يقال أن إنشاء المحكمة العليا يدخل ضمن أهداف ذلك التفويض التشريعي .
هذه بعض الاتجاهات القضائية الهامة في قضاء المحكمة العليا حرصنا علي أن نشير إليها قبل أن نطوي صفحة تلك المحكمة لنبدأ مع أخر مراحل القضاء الدستوري في بلادنا وهو تلك المرحلة التي بدأت مع دستور سبتمبر 1971 والتي ترتب عليها إنشاء المحكمة الدستورية العليا .



د. يحيي الجمل