اختصاصات الموظف
لايمكن مساءلة الموظف العام أو من في حكمه عن العمل أو الامتناع المطلوب منه، إلا إذا كان هذا العمل أو الامتناع داخلاً في اختصاصاته أو ادعى أنه داخل فيها.
ولكن ماهي اختصاصات الموظف؟
إن اختصاص الموظف يشمل المهام الأساسية التي يلقيها القانون على عاتقه (كتلقي شكاوى المواطنين التموينية من قبل الموظف المختص)، كما يشمل أيضاً الاختصاصات المحددة له بموجب النظام الداخلي للمؤسسة الإدارية التابع لها( ). وبما أنه لايوجد في القانون مايحتم بأن يكون تعيين أعمال الوظيفة بمقتضى قانون أو لائحة أو أوامر مكتوبة أو شفوية، فإن اختصاص الموظف يشمل أيضاً الصلاحيات التي يستمدها من الأوامر والتعليمات الرئاسية سواء صدرت عن الرئيس المباشر أو عن رئيس آخر أو عن المدير وذلك بغض النظر عن صفة هذه الأوامر فيما إذا كانت مؤقتة أو دائمة، ولكن بشرط أن تكون هذه الأوامر قد صدرت بناء على تكليف صحيح، حتى ولم تكن داخلة حسب الأصل في اختصاص الموظف.
والقانون السوري في نصوصه لم يفرق بين القيام بالعمل أو الامتناع عن العمل متى كان الموظف مختصاً بأعمال الوظيفة( ).
كذلك ليس من الضروري أن يكون العمل المطلوب أداؤه أو الامتناع عنه داخلاً في اختصاص الموظف المرتشي وحده بل يكفي أن يكون العمل هذا مشتركاً بين عدد من الموظفين من بينهم الموظف المرتشي حتى لو كان اختصاص هذا الموظف هو إعطاء رأي استشاري، ما دام هذا الرأي يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة. ذلك لأن القانون حين نص على أن يكون الغرض من الرشوة هو القيام بعمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عن عمل من أعمالها، إنما قصد كلمة (العمل) بمعناها الواسع دون تقييدها بقدر معين أو نوع خاص.
كذلك لاضير في أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها أو الامتناع عنها داخلة ضمن حدود وظيفته مباشرة، إذ يكفي أن يكون له بها علاقة يستطيع من خلالها تنفيذ غرضه الإجرامي. فلا يشترط أن يكون الموظف هو صاحب اتخاذ القرار بل يكفي أن يكون دوره المشاركة في تحضير هذا القرار( ).
كما أنه لافرق في أن يكون العمل الداخل في اختصاص الموظف عادلاً أو ظالماً، محقاً أو باطلاً، لأن جريمة الرشوة تقع متى تحققت عناصرها.
وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن الأعمال التي تكون داخلة في اختصاص الموظف والتي تشكل بحد ذاتها جريمة في حال الامتناع عن أدائها، لاتمنع من وقوع جريمة الرشوة في حال الامتناع عن أدائها بسبب الرشوة. أي أننا نكون أمام حالة اجتماع جرائم مادي.
مثال ذلك: ما ورد في المادة /9/ من المرسوم التشريعي /6/ لعام 2000 والخاص بجرائم تهريب العملة والمعادن الثمينة.
المادة /9/:" يعاقب بذات العقوبة المنصوص عليها في المواد السابقة العامل لدى أي من الجهات العامة المكلف بقمع هذه الجرائم أو الكشف عنها أو ضبطها، إذا تستر عليها أو سهل وقوعها أو لم يخبر عنها أو لم ينظم بها الضبط الأصولي".
فالعامل الذي يمتنع عن التبليغ عن جريمة تهريب عملة حصلت واطلع عليها بسبب تأدية وظيفته مقابل فائدة يتقاضاها، يكون قد ارتكب جريمتين في آن واحد، الأولى هي التي نصت عليها المادة /9/ من المرسوم السالف الذكر والثانية هي جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة /342/ من قانون العقوبات.
بالإضافة إلى متاجرة الموظف بالاختصاصات التي يتمتع بها، هنالك حالتان لايكون للموظف فيهما اختصاص ولكنه مع ذلك يتاجر بوظيفته هاتان الحالتان هما: حالة ادعاء الاختصاص وحالة اعتقاد الاختصاص خطأ.
أولاً ـ ادعاء الاختصاص:
عاقب المشرع الجزائي السوري في المادة /342/ من قانون العقوبات على ادعاء الاختصاص، لما ينطوي عليه هذا الادعاء من استغلال للوظيفة العامة.
فجريمة الرشوة هي من الجرائم الشكلية (جرائم الخطر) التي يستلزم القانون لقيامها وقوع السلوك المادي فقط، الأمر الذي يقودنا إلى القول بأن جريمة الرشوة لاتقوم فقط على فكرة الاتجار بالوظيفة العامة بل تشمل أيضاً مجرد استغلال هذه الوظيفة أو الحصول من ورائها على فائدة محرمة.
وبناء على ذلك يجب أن تكون الوظيفة التي يشغلها الموظف هي محور الاختصاص المدعى به، أي أنه يجب أن يكون هناك رابطة سببية بين الوظيفة التي يشغلها الموظف وبين الاختصاص الذي يدعيه.
أما إذا انتحل الموظف صفة أخرى لاصلة لها بوظيفته الحقيقية، كأن يدعي كاتب بوزارةالعدل أنه يعمل قاضياً فيها، فهنا لاتتوافر جريمة الرشوة، بل نكون أمام جريمة انتحال صفة موظف وفق ما نصت عليه المادة /382/ قانون العقوبات( ). والأمر كذلك يختلف فيما إذا تعهد الموظف بالقيام بعمل معين خارج عن أعمال الوظيفة مقابل فائدة معينة دون أن يدعي أنه مختص به أو غير مختص. فهنا لا تقوم بحقه جريمة رشوة.
وقد أيدت محكمة النقض السورية ذلك بقولها:
" إذا كان العمل غير داخل في وظيفة المرتشي ولم يدع ذلك فليس في الأمر رشوة".
وتابعت " إن المادة /342/ من قانون العقوبات قد نصت على عقاب الموظف الذي يلتمس أو يقبل لنفسه أو لغيره منفعة ليعمل عملاً منافياً لوظيفته أو يدعي أنه داخل في وظيفته، وكان ظاهراً من ذلك أن الرشوة لاتتم إلا إذا توافرت عناصرها المكونة لها وأهم هذه العناصر أن يكون العمل المطلوب من المرتشي داخلاً في وظيفته فإذا لم يكن الأمر كذلك فلا مجال لتطبيق هذه المادة"( ).
ثانياً ـ اعتقاد الاختصاص خطأ:
لم يتطرق المشرع السوري لهذه الحالة، كما لم تنص عليها محكمة النقض كذلك. وأساس هذه الحالة هو أنه على الرغم من أن اختصاص الموظف المطلوب في جريمة الرشوة هو الاختصاص الفعلي الواقعي، إلا أن ذلك لايمنع من قيام هذه الجريمة من قبل الموظف الذي قبل أو التمس الهدية، معتقداً اختصاصه بالعمل أو الامتناع الذي يقوم به، بينما هو في الواقع غير مختص.
وقد استند أصحاب هذا الرأي إلىأمرين هما:
الأول: إن اعتقاد الاختصاص لا يقلل من خطورة الفاعل الإجرامية، والتي تبقى واضحة جلية من خلال تعمده أخذ الهدية أو المنفعة عن العمل الوظيفي الذي يفرض عليه القانون القيام به دون مقابل.
كما أنه لايغير من طبيعة الفعل المرتكب، بل تبقى هذه الطبيعة على حالها لأن القانون يعاقب على الاتجار بالوظيفة ذاتها بغض النظر عن اختصاص أو عدم اختصاص الفاعل.
الثاني: إن الخطأ في الجريمة لايعتد به إلا إذا انصب على ركن من أركان هذه الجريمة.
واختصاص الموظف هنا ليس ركن من أركان جريمة الرشوة، هذا بالإضافة إلىأن الجهل بقانون غير جزائي يمكن أن يعذر به إذا ترتب علىهذا الجهل اعتقاد بأن الفعل مباح، ولكن الأمر هنا علىالعكس لأن خطأ الموظف بالاختصاص هنا قد تحققت به جرمية الفعل لاإباحيته.
وطبيعي أن الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص لايتحقق إلا في الأعمال التي ترتبط باختصاص الموظف المرتشي.إذ أنه ليس من المعقول أن يخطأ الموظف بعمل لايمت بصلة إلى اختصاصاته، كأن يعتقد ضابط في الشرطة أنه مختص بمنح شهادة تسجيل في كلية( ).