على الرغم من التسليم بأن التعذيب يشكل عدوانا صارخا على كرامة الإنسان، ومع أن قوانين كافة دول العالم تقريبا تحظر وتجرم ممارسته، إلا أن الواقع مازال بعيدا عن القضاء على هذه الآفة البشعة، بل هناك تراجعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة. ولا تقتصر خطورة التعذيب على الضحية فقط بل تمتد إلى المجتمع عامة إذ تدفع ممارسة التعذيب الأفراد إلى الإحجام عن المشاركة في الشؤون العامة وتهدر سيادة القانون. ويعد وجود إرادة سياسية حقيقية للحماية من التعذيب أمر حاسما في دعم الجهود ذات الصلة.

وتعرف الاتفاقية التعذيب بأنه

أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.



هذا ولا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب. كما لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب.

ومن بين النقاط الأساسية في الاتفاقية: التزام كل دولة طرف فيها بأن تتخذ إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي. وعلى سبيل المثال في مجال الوقاية يتعين على الدولة الطرف أن تضمن إدراج المعلومات المتعلقة بحظر التعذيب في برامج تدريب الموظفين المدنيين والعسكريين المكلفين بإنفاذ القوانين، وخاصة أولئك القائمين باستجواب ومعاملة الأشخاص الذين سلبت حريتهم. وكذلك يجب على الدولة الطرف في الاتفاقية أن تخضع ترتيباتها الخاصة بحجز ومعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم لمراجعة مستمرة.

ولا يجوز الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال. وتحظر الاتفاقية أيضا على الدول الأطراف طرد أو رد أو تسليم أي شخص لدولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو للاعتقاد بأنه سيكون معرضا للتعذيب فيها.

ومن التدابير القمعية التي يجب على الدولة الطرف في الاتفاقية اتخاذها لمكافحة التعذيب، أن تضمن اعتبار جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وأن ينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب. وأن يعاقب على تلك الجرائم بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة.

وعلى كل دولة طرف في الاتفاقية أن تضمن أيضا قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب. وكذلك يجب عليها أن تضمن لأي فرد يدعي بأنه قد تعرض للتعذيب، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وفي أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة. وينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم.

ويجب أيضا أن تضمن كل دولة طرف إنصاف أية ضحية للتعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب، يكون لمن كان يعولهم الحق في التعويض.

وتلتزم الدول الأطراف في الاتفاقية بالعمل على منع وقوع أي عمل من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي لا ترقى إلى حد التعذيب.

ومما تتميز به الاتفاقية أنها تلزم الدول الأطراف فيها ليس فقط بإقامة ولايتها القضائية على جرائم التعذيب في حالة وقوعها على أرض تخضع لولايتها أو عندما يكون مرتكب الجريمة المزعوم أو المعتدى عليه من مواطنيها، بل إن الاتفاقية خطت خطوة هامة للإمام تجاه الولاية القضائية العالمية على مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومنها في هذه الحالة ممارسة التعذيب. إذ يتعين على الدولة الطرف في الاتفاقية أن تتدخل عندما يكون مرتكب الجريمة المزعوم موجودا في إقليم يخضع لولايتها حتى لو كانت جريمة التعذيب ارتكبت في الخارج ولم يكن مرتكب الجريمة أو الضحية المزعوم من مواطنيها، ويشمل تدخل الدولة الطرف في هذه الحالة احتجاز المشتبه فيه وإجراء تحقيق أولي، وقد يمتد تدخل الدولة المعنية إلى محاكمته أو تسليمه لمحاكمته في دولة أخرى.

وتنص الاتفاقية على تشكيل لجنة مناهضة التعذيب من عشرة خبراء على مستوى أخلاقي عال مشهود لهم بالكفأة في ميدان حقوق الإنسان، ليعملوا في اللجنة بصفتهم الشخصية. ويراعى في اختيارهم التوزيع الجغرافي العادل. وعلى الدول الأطرف أن تقدم للجنة تقريرا كل أربع سنوات عما اتخذته من تدابير تنفيذا التزاماتها بموجب الاتفاقية، وتقوم اللجنة بفحص التقرير وإبداء ملاحظاتها وتوصياتها.

ويمكن للجنة أيضا أن تتلقى شكاوى من قبل الأفراد في حالة انتهاك حقوقهم المعترف بها في الاتفاقية من قبل دولة طرف، وذلك إذا ما وافقت الدولة الطرف المعنية على قيام اللجنة بتلقي ودراسة مثل هذه الشكاوى. ويجب أن يكون الشاكي قد استنفد كافة سبل الانتصاف المحلية قبل تقديمه الشكوى للجنة إلا في حالة إطالة مدة تطبيق وسائل الانتصاف المحلية بصورة غير معقولة أو إذا ما كانت سبل الانتصاف المحلية غير مجدية أو غير فعالة.

وتتسم دراسة اللجنة للشكاوى المقدمة من قبل الأفراد وفحص ما ورد بها من ادعاءات مع الدولة الطرف المعنية بالسرية، إلا أن الرأي النهائي الذي تصدره اللجنة بخصوص ما إذا كانت الشكوى تتعلق بانتهاك للحقوق المعترف بها في الاتفاقية أم لا - ينشر ويتاح للعموم، ويتناول رأي اللجنة مجريات ردود الدولة الطرف المعنية ومقدم الشكوى ورأيها النهائي بما في ذلك التدابير الواجب اتخاذها في حالة وقوع انتهاك.

وبخلاف ذلك فللجنة إذا ما تلقت معلومات موثقا بها، يبدو أنها تتضمن دلائل لها أساس قوي، تشير إلى أن تعذيبا يمارس على نحو منتظم في أراضي دولة طرف في الاتفاقية، أن تدعو الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات وتقديم ملاحظاتها، وقد تقرر اللجنة أن تجري تحقيقا بهذا الخصوص بما في ذلك أن تطلب من الدولة المعنية السماح لعضو أو أكثر من أعضائها بالقيام بزيارة أراضي الدولة المعنية. ويتسم تحقيق اللجنة بهذا الخصوص بالسرية إلا أنها تقوم بنشر بيان موجز بالنتائج.

ومن الدول التي قامت اللجنة بدارسة ما توفر لديها من معلومات موثقة بأن التعذيب يمارس على نحو منتظم على أراضيها: تركيا، ومصر، وبيرو، وسريلانكا. ولا يحق للجنة أن تقوم بفحص مثل هذه المعلومات ومن باب أولى فتح تحقيق بهذا الخصوص إذا ما كانت الدولة المعنية قد رفضت تمتع اللجنة بهذه الصلاحية.

وهناك بروتوكول ملحق بالاتفاقية يهدف إلى إنشاء نظام قوامه القيام بزيارات منتظمة من قبل لجنة دولية وآلية وطنية مستقلة للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم، بغية الوقاية ومنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وبمقتضى هذا البروتوكول يجب على الدول الأطراف فيه أن تنشئ آلية وقائية وطنية مستقلة واحدة أو أكثر للوقاية ومنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على المستوى المحلي.

ومن بين ما يجب القيام به من قبل كل من الآلية الوطنية واللجنة الفرعية دراسة معاملة المحرومين من حريتهم وتقديم ما يلزم من توصيات وزيارة أماكن الاحتجاز والسجون ومقابلة المعنيين ونشر تقرير عن أعمالها. وفي بداية آذار/مارس 2009 كان هناك 46 دولة طرف في البروتوكول ليس من بينها مصر.

وحتى بداية آذار/مارس 2009 كان هناك 146 دولة طرف في هذه الاتفاقية من بينها مصر، وقد نظرت اللجنة في التقرير الدوري الرابع لمصر في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، وعبرت في ملاحظاتها الختامية على التقرير عن قلقها من استمرار حالة الطوارئ في مصر منذ عام 1981، وكذلك التقارير المستمرة الكثيرة الواردة بشأن استمرار ظاهرة تعذيب وإساءة معاملة المحتجزين على أيدي الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، وعدم وجود تدابير لضمان الحماية الفعالة وإجراءات للقيام بتحقيقات فورية ونزيهة. وأوصت اللجنة بقيام الدولة بإعادة النظر في الإبقاء على حالة الطوارئ، وأن تعتمد تعريف للتعذيب يتفق تماما مع التعريف الواردة في الاتفاقية، وأن تضمن التحقيق فورا وبنزاهة واستقلالية في جميع الشكاوى المتعلقة بالتعذيب أو إساءة المعاملة، بما في ذلك الشكاوى المتعلقة بالوفاة أثناء الحبس، وأن تضمن قيام أعضاء النيابة العامة أو القضاة أو هيئة مستقلة أخرى بالتفتيش الإلزامي على جميع أماكن الاحتجاز، وأن يجري ذلك على فترات منتظمة، وأن تضمن إتاحة إمكانية وصول جميع الأشخاص المحتجزين في الحال إلى طبيب ومحام، وكذلك الاتصال بأسرهم؛ وأن يكون لجميع الأشخاص المدانين بأحكام صادرة عن محاكم عسكرية في قضايا الإرهاب الحق في إعادة النظر في إدانتهم وفي الحكم الصادر عليهم أمام محكمة أعلى وفقا للقانون.

كما أكدت اللجنة على التوصيات التي اعتمدتها في أيار/مايو 1996 في إطار التحقيق الذي قامت به بخصوص الممارسة المنظمة للتعذيب في مصر، والذي خلصت فيه إلى أن قوات الأمن وبخاصة مباحث أمن الدولة، تمارس التعذيب بصورة منتظمة، وكررت اللجنة بهذا الخصوص ما أوصت به الحكومة المصرية في تشرين الثاني/نوفمبر 1994، بضرورة إنشائها لآلية تحقيق مستقلة، تشمل في تكوينها قضاة ومحامين وأطباء، تقوم بدراسة جميع حالات الادعاءات بالتعذيب بفعالية، من أجل تقديمها إلى المحاكم بسرعة. وأن تجري، على وجه السرعة، تحقيقا شاملا بشأن سلوك قوات الشرطة وذلك من أجل تحديد صحة الادعاءات المتعلقة بأعمال التعذيب، أو عدم صحتها، وتقديم الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب هذه الأعمال إلى المحاكمة، وإصدار تعليمات محددة وواضحة تستهدف حظر جميع أعمال التعذيب في المستقبل وإبلاغ أجهزة الشرطة بتلك التعليمات.

وكان ينبغي على الدولة أن تقدم تقريرها الدوري الخامس في حزيران/يونيه 2004، غير أنها تخلفت عن ذلك حيث لم تقد بتقديمه حتى بداية آذار/مارس 2009.