بسم الله الرحمن الرحيم
استمرار خصومة التحكيم رغم قيام خصومة الرد لا يمثل مخالفة دستورية
استعراض
لحكم المحكمة الدستورية
في القضية رقم 114 ، 115 لسنة 24 قضائية
الصادر بجلسة 2/11/2003 والمنشور بالجريدة الرسمية – العدد 46 (تابع) في 13/11/2003

الوقائع
تخلص الوقائع في انه وبمناسبة نظر دعوى بطلان حكمي تحكيم دفع من المدعيتين بعدم دستورية الفقرتين الاولى والثانية من المادة (13) والفقرة الرابعة من المادة (19) والفقرة الاولى من المادة (22) من القانون رقم 27 لسنة 1994وبعد ان قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع صرحت المحكمة( محمة الموضوع ) باقامة الدعوى الدستورية والتي اقامتها المدعيتين بالطلبات سالفة الذكر واضافتا اثناء تحضير الدعويين طلبا بعدم دستورية القانون رقم 27 لسنة 1994 في مجموعه وذلك لعدم عرضه على مجلش الشورى رغم كونه من القوانين الدستورية
المحكمة
1. فيما يتعلق بشبهة وجود عيب شكلي للقانون المطعون عليه :-

قررت المحكمة انه فيما يتعلق بطلب الحكم بعدم دستورية القانون رقم 27 لسنة 1994 في مجمله بدعوى عدم عرضه على مجلس الشورى رغم انه من القوانين المكملة للدستور ( ان المحكمة سبق وان خاضت في موضوع بعض النصوص القانون الطعين ..... وقد تناول كل من الاحكام القضائية السابقة مسائل دستورية تمثل عوارا موضوعيا اتصل بالنصوص التشريعية الطعينة .....وتبعا لذلك فان الاحكام القضائية السابقة تكون قد انطوت لزوما على استيفاء القانون 27 لسنة 1994 المشار اليه للاوضاع الشكلية التي يتتطلبها الدستور لدستورية التشريع ....ذلك ان الاستيساق من توافر الاوضاع الشكلية التي يتتطلبها الدستور في قانون ما ... يعتبر سابقا بالضرورة على الخوض في امر اتفاقها او تعارضها مع الاحكام الموضوعية للدستور . )

2. وفيما يتعلق بعدم دستورية نص الفقرة الاولى من المادة (13) ونص الفقرة الاولى من المادة (22) من القانون رقم 27 لسنة 1994 :-

قررت المحكمة انه لا مجال لقبولهما بعد ان حسمت المحكمة الدستورية العليا المسألة الدستورية التي يتناولها كل من هذين النصين حيث سبق وان انتهت المحكمة برفض الدعوى في شأن دستوريتهما في القضية الدستورية رقم 155 لسنة 20 ق والقضية الدستورية رقم 50 لسنة 22 ق والقضية الدستورية رقم 66 لسنة 22 ق وقررت المحكمة ان ( مقتضي احكام المادين (48) و (49 ) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ان يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة الى الدولة بسلطاتها المختلفة ....)

3. اما فيما يتعلق بنص الفقرة الثانية من المادة (13) من القانون رقم 27 لسنة 1994

والذي يجري على انه ( ولا يحول رفع الدعوى المشار اليها في الفقرة السابقة دون البدء في اجراءات التحكيم او الاستمرار فيها او اصدار حكم التحكيم ) فانه لما كانت المدعيتان حين تدخلتا في الدعوى الموضوعية بداية انصرفت طلباتهما الى بطلان شرط التحكيم ... وبطلان حكمي التحكيم الصادرين استنادا الى هذا الشرط .... فانه لما كانت ( المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الموضوعية ومناط هذه المصلحة ان تتوافر رابطة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وذلك بان يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع ) ومن ثم فانه ( لا يوجد ادنى قدر من الانعكاس للحكم في دستورية النص التشريعي الطعين على طلبات المدعيتين في دعوى الموضوع وهو ما يقتضي الحكم بعدم قبول الدعوى ايضا في شان نص الفقرة الثانية من المادة (13) من القانون رقم 27 لسنة 1994 )

4. فيما يتعلق بنص الفقرة (4) من المادة 19 من القانون رقم 27 لسنة 1994

والتي كانت تنص على انه ( لا يترتب على طلب الرد او على الطعن في حكم التحكيم الصادر برفضه وقف اجراءات التحكيم واذا حكم برد المحكم سواء من هيئة التحكيم او من المحكمة عند نظر الطعن ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من اجراءات التحكيم بما في ذلك حكم التحكيم كأن لم يكن ) قررت المحكمة انه سبق وان قضت المحكمة الدستورية العليا في القضية الدستورية رقم 84 لسنة 19 ق بعد دستورية ما تضمنته الفقرة الاولى من المادة 19 من هذا القانون من اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في طلب رد المحكم وتريبا على ذلك استبدل المشرع بالفقرة الطعينة فقرة اخرى برقم (3) بموجب القانون رقم 8 لسنة 2000 جرت على انه ( لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف اجراءات التحكيم واذا حكم برد المحكم ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من اجراءات التحكيم بما في ذلك حكم المحكمين كان لم يكن ) وفي هذا المجال قررت المحكمة عدة تقريرات على النحو التالي :-
· مد نطاق الدعوى الدستورية المعروضة لتشمل النص التشريعي الجديد الى جانب النص التشريعي القديم لاتحادهما في الحكم والعلة والضرر الناجم عن كل منهما
فالثابت ان النص الطعين قد شمله التعديل التشريعي الذي تضمنه القانون رقم 8 لسنة 2000 ومع ذلك فان حكم النص اللاحق هو ذاته حكم النص السابق اذ ارتكز النصان على قاعدة كلية مشتركة حاصلها عدم وقف اجراءات التحكيم كاثر لتقديم طلب الرد واذا كان ( الاصل في الرقابة القضائية على دستورية القوانين هو ربطها بالنصوص القانونية التي اضير الطاعن من جراء تطبيقها في حقه في المجال الزمني لسريانها وكانت القاعدة القانونية التي تبناها النص الجديد في النزاع الماثل هى ذاتها القاعدة القانونية التي وردت بالنص القديم في مضمونها واثارها ...... الامر الذي تقوم معه للمدعيتين مصلحة شخصية مباشرة في تحديد دستورية ذلك النص تبرر قبول دعواهما بشانه


· مفهوم التحكيم لدى المحكمة الدستورية العليا
( التحكيم وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع محدد مبناه علاقة محل اهتمام من طرفيها وركيزته اتفاق خاص بين متنازعيين لعرض ما بينهما من خلافات على محكم من الاغيار يعين باختيارهما او بتفويض منهما او على ضوء شروط يحددانها ويستمد المحكم سلطته من هذ الاتفاق ليفصل في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالاه مجردا من التحامل وقاطعا لدابر الخصومة التي احالها الطرفان اليه بعد ان يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسة)
· التحكيم يعتبر نظاما بديلا عن القضاء
( التحكيم عمل اختياري حر وبارادة اطرافه يعتبر نظاما بديلا عن القضاء فلا يجتمعان اذ ان مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من اصل خضوعها لولايتها وان كان ذلك ينبغي ان لا ينال من الضمانات الاساسية في التقاضي ومنها كفالة الحق في رد المحكم )
· استقلال خصومة الرد عن الخصومة الاصلية
(خصومة الرد تثير ادعاء فرعيا عند نظر الخصومة الاصلية مداره ان قاضيها اوبعض قضاتها الذين يتولون الفصل فيها قد زايلتهم الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي ومن ثم كان لخصومة الرد خطرها ودقتها سواء بالنظر لموضوعها او الاثار التي تنجم عنها ولا شان لها بنطاق الخصومة الاصلية بين اطرافها ....بما مؤداه استقلال خصومة الرد عن الخصومة الاصلية في موضوعها وان ظل الحكم الصادر في اولهما اثره وانعكاسه على ثانيتهما ولو بعد الفصل فيها بحكم نهائي ...... ومع استقلال خصومة الرد على الخصومة الاصلية على هذا النحو واكتسابها لذاتيتها الخاصة فان التزامها بالضمانان الاساسية في التقاضي ومنها ضمانتي الحيدة والاستقلال يظل امرا لازما )

· استمرار خصومة التحكيم بالرغم من تقديم طلب الرد لا يمثل حرمانا للمتحاكمين من الضمانات الاساسية في التقاضي او انتقاصا منها
ذلك ان الثابت ان الحق في رد المحكم مكفول الا ان المشرع ولاعتبارات قدرها لم يرتب على تقديم طلب الرد وقف اجراءات خصومة التحكيم والتي افترض استمرارها حتى صدور الحكم فيها ومع ذلك فقد رسم المشرع معالجة من شانها انه في حالة نجاح خصومة الرد وصدور حكم فيها برد المحكم ان يتم اعتبار ما تم من اجراءات التحكيم بما في ذلك حكم المحكمين ذاته اذا كان قد صدر بالفعل كان لم يكن وبهذا يكون المشرع قد وازن بين ما تمليه الاعتبارات العملية المتصلة بمنظومة التحكيم كوسيلة فنية لفض المنازعات خارج دائرة المحاكم وبين احترام ما هم مقرر من ضمانات اساسية في مجال التقاضي )
· عدم مخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواه امام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور
(حيث ان النعي على النص الطعين مخالفته لمبدا المساواه امام القانون لما احدثه من تفرقة في المعاملة بين المتقاضين امام هيئات التحكيم من جهة وغيرهم من المتقاضين امام جهات القضاء من جهة اخرى بخصوص وقف الخصومة الاصلية كاثر لتقديم طلب الرد ) قررت المحكمة الدستورية ان ذلك مردود عليه من ثلاث وجوه :-
اولا :- ( ان ... المتحاكمون – اخذا بالاصل العام في التحكيم – يتجهون بملء ارادتهم ومحض اختيارهم الى اعتماد نظام خاص لفض ما بينهم من نزاعات خارج دائرة المحاكم وفقل لشروط تكون محل لاتفاقهم فان مركزهم القانوني يضحى بالتالي مختلفا عمن يلجأون الى المحاكم لفض منازعاتهم طبقا للقواعد العامة وخارج دائرة التحكيم ..)
ثانيا :- لا مجال لمقارنة التنظيم الذي رسمه النص الطعين بما هو مقرر في قانون المرافعات المدنية والتجارية من وقف الخصومة الاصلية كاثر لتقديم طلب رد القاضي ذلك انه ( يجوز للمشرع ان يغاير في تنظيمه لحق التقاضي وتبني ما يراه مناسبا لصنوف بعينها من المنازعات وفقا لما تتطلبه طبيعتها دون ان يكون في ذلك اخلال بمبدا المساواه امام القانون طالما التزم المشرع بالضوابط الدستورية لمباشرة الحق في التقاضي )
ثالثا :- ان التميز المنهي عنه ( هو ما يكون تحكميا ذلك ان كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته بل لتحقيق اغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها ) ( فاذا كان النص التشريعي بما انطوى عليه من تميز مصادما لهذه الاغراض مجافيا لها بما يحول دون ربطه بها او اعتباره مدخلا اليها فان هذا النص يكون مستندا الى اسس غير موضوعية ومتبنيا تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة ( 40) من الدستور واذا كان ذلك فان قاعدة استمرارية اجراءات التحكيم في حالة رد المحكم التي تبناها النص الطعين لم تاتي من فراغ وانما يرتد اعتمادها .... الى اعتبارات موضوعية تتعلق بدعم التحكيم كنظام لفض المنازعات خارج دائرة المحاكم وما تفرضه طبيعة هذا النظام الخاص من ضرورة مراعاة السرعة في حسم المنازعات .... وذلك كله بمراعاة ضرورة التقيد بالضمانات الاساسية في التقاضي وبما لا يخل بحق الدفاع باعتبار ان الطبيعة الخاصة للتحكيم لا تنال من اصل تقيده بهذه الضمانات بحسبانه نظاما بديلا عن القضاء
· عدم مخالفة النص المطعون عليه لمبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في المادة 8 من الدستور
ذلك ان الفرص التي يعنيها هذا النص الدستوري ( هى تلك التي تتعهد الدولة بتقديمها متوخية في ذلك ومن خلال الشروط الموضوعية التي تنظمها فض التزاحم عليها بين من يطلبونها وترتيبهم فيما بينهم على ضوء شروط استحقاقها التي تحدد اجدرهم بالحصول عليها وهو ما يفترض ان تكون هذه الفرص محدودة في عددها وان يربو عليها من تسابقوا لنيلها ولا كذلك في النص الطعين ..... )


ترتيبا على ما سبق انتهت المحكمة الدستورية العليا الى القضاء برفض الدعوى الدستورية فيما يتعلق بنص الفقرة (4) من المادة (19) من القانون رقم 27 لسنة 1994 وكذا فيما يتعلق بالفقرة (3) من ذات المادة بعد تعديلها بالقانون رقم 8 لسنة 2000