القسم الأول: أحكام التنفيذ العامة
الباب الأول: شروط التنفيذ
1 - للتنفيذ الجبري شروط استلزمها المشرع، منها ما يتعلق بالسند الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه ومنها ما يتعلق بالحق الذي يجرى التنفيذ وفاءً له، ومنها ما يتعلق بالمال الذي يجوز التنفيذ عليه.
الفصل الأول: السندات التنفيذية:
2 - تنص المادة (457) من قانون المرافعات الجديد على أن (التنفيذ الجبري لا يجوز إلا بسند تنفيذي، والسندات التنفيذية هي الأحكام والأوامر والعقود الرسمية والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة، ولا يجوز التنفيذ – في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون - إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ) [(1)].
يتضح من هذا النص أن السندات التنفيذية هي:
1/ الأحكام وتلحق بها الأوامر على العرائض.
2/ العقود الرسمية.
كما يتضح من النص المتقدم أن الأصل في التنفيذ ألا يكون إلا بصورة من السند التنفيذي عليها الصيغة التنفيذية.
3 - الصيغة التنفيذية وفائدتها: الصيغة التنفيذية La formule exécutoire هي أمر صادر من الرئيس الأعلى للدولة، الذي تصدر الأحكام وتحرر العقود متوجه باسمه إلى المحضرين بإجراء التنفيذ، وإلى رجال النيابة ورجال الإدارة بالمعاونة على التنفيذ ولو باستعمال القوة الجبرية متى طلبت منهم المعاونة [(2)].
ومقتضى وجود الصيغة التنفيذية على السند التنفيذي أن يكون من حق حامله أن يطالب السلطة العامة باتخاذ الوسائل الكفيلة بتنفيذه، ومن واجب هذه السلطات أن تستخدم، عند الاقتضاء، القوة المسلحة لتمكين حامل السند التنفيذي من تنفيذه.
ولكن أليس من حق الحكومة أن تمتنع عن استخدام القوة المسلحة إذا رأت في استخدامها ما يهدد النظام والأمن العام؟ عرضت هذه المسألة للبحث في فرنسا وقد فصل فيها مجلس الدولة بعد شيء من التردد [(3)] بعدة أحكام [(4)] قرر فيها المبادئ الآتية:
1/ إن من حق الدولة أن تقدر الظروف التي تستخدم فيها القوة المسلحة لتنفيذ حكم جائز النفاذ، فإذا رأت أن في استخدام القوة المسلحة ما يهدد النظام والأمن العام فلها أن تمتنع عن استعمال القوة المسلحة، ويصف الفقيه هريو Hauriou الامتناع في هذه الحالة بأنه دفاع شرعي عن الدولة [(5)]Legitime Défense de 1’Etat.
2/ إذا ترتب على الامتناع عن تنفيذ الحكم أو عن التأخير في تنفيذه نتيجة لامتناع السلطة العامة عن استعمال القوة المسلحة، ضرر للمحكوم له جاوز حدًا معينًا préjudice anormal، كان من حقه أن يطالب الحكومة بتعويض عن الضرر الذي أصابه في سبيل المصلحة العامة.
3/ يفرق مجلس الدولة بالنسبة لأساس مسؤولية الدولة بين حالة ما إذا كانت هناك ظروف تبرر امتناع الدولة عن التنفيذ بالقوة المسلحة وفي هذه الحالة لا يكون هناك خطأ من جانب السلطة العامة، فأساس مسؤوليتها فكرة المخاطر risque، وبين حالة ما إذا لم يكن للامتناع ما يبرره وفي هذه الحالة تكون الحكومة مخطئة ويكون أساس مسؤوليتها الخطأ [(6)]faute.
ولاستلزام الصيغة التنفيذية فائدة كبرى لأن وجودها على صورة السند الذي يجرى التنفيذ بموجبه هو الدليل الأكيد على أن طالب التنفيذ هو صاحب الحق الثابت بالسند التنفيذي، وأنه لم يستوفِ هذا الحق بتنفيذ سابق، لأن الصورة التنفيذية من الحكم أو العقد الرسمي لا تسلم إلا لصاحب الحق ولا تسلم له إلا صورة تنفيذية واحدة، أما الصور الرسمية الأخرى فيجوز تسليمها لكل من يطلبها ولو لم يكن صاحب الحق ما دام يدفع الرسم المقرر عليها [(7)].
المبحث الأول: الأحكام
4 - المقصود بالأحكام في مقام التنفيذ: الأحكام بمعناها الصحيح ويلحق بها الأوامر على العرائض التي يصدرها القضاة بما لهم من سلطة ولائية.
والأحكام بمعناها الصحيح هي أقوى أدوات التنفيذ من حيث تقريرها للحقوق المراد التنفيذ وفاءً لها، لأنها إنما تصدر في خصومة بعد تحقيق المحكمة لادعاء المحكوم له والحكم بما يثبت من هذا الادعاء، ويكون تنفيذ الأحكام بموجب صورها التنفيذية les grosses أي المذيلة بالصيغة التنفيذية.
5 - تسليم الصور التنفيذية للأحكام: لا تسلم صورة الحكم التنفيذية إلا للخصم الذي تضمن الحكم عود منفعة عليه من تنفيذه (م 352)، أي للخصم الذي حُكم له بشيء يستدعي الحصول عليه إجراء تنفيذ جبري، فهي لا تسلم لغير الخصوم، ولا تسلم للخصم المحكوم عليه، ولا للمحكوم له الذي لم يقضَ له بشيء يمكن تنفيذه جبرًا.
ولا تسلم للمحكوم له إلا صورة تنفيذية واحدة فيما عدا حالة الضياع فيجوز تسليم صورة ثانية (م353).
6 - النزاع على تسليم الصورة التنفيذية: للنزاع على تسليم الصورة التنفيذية صورتان (الأولى) أن يمتنع قلم الكتاب عن إعطاء الصورة التنفيذية الأولى لمن يطلبها بدعوى ألا حق له في طلبها، وفي هذه الحالة يكون لطالب الصورة التنفيذية أن يقدم عريضة لقاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التي أصدرت الحكم المطلوب تسلم صورة تنفيذية منه، ويفصل قاضي الأمور الوقتية في هذه الشكوى بأمر يصدره طبقًا للقواعد المقررة للأوامر على العرائض (م 354).
(الثانية) في حالة ضياع الصورة الأولى، يرفع طلب تسليم صورة ثانية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم بتكليف بالحضور من أحد الخصوم للخصم الآخر، ويفصل في هذا النزاع على وجه السرعة (م355).
7 - وقد جرى العمل في ظل القانون القديم على جواز تسليم الصورة التنفيذية للمحكوم له، ولو لم يكن الحكم جائزًا تنفيذه، على أن يكون على المحضر قبل الشروع في التنفيذ أن يتحقق من أن الحكم قد أصبح جائزًا تنفيذه [(8)]، ولكن القانون الجديد خالف ذلك فنص في المادة (352) منه على أن الصورة التنفيذية لا تسلم إلا إذا كان الحكم جائزًا تنفيذه طبقًا لقواعد تنفيذ الأحكام، فإذا لم يكن الحكم جائزًا تنفيذه كما إذا كان حكمًا ابتدائيًا لم ينقض بالنسبة له ميعاد الاستئناف، أو كان حكمًا غيابيًا لم ينقض بالنسبة له ميعاد المعارضة فلا يجوز تسليم صورة تنفيذية منه.
والفكرة التي بني عليها نص القانون الجديد أن تسليم الصورة التنفيذية إيذان بأن الحكم قابل للتنفيذ فلا محل لتسليمها ما دام الحكم غير جائز تنفيذه، ولأن الفائدة مما جرى عليه العمل في ظل القانون القديم التي كانت تبدو بالنسبة للأحكام الغيابية، إذ كان يلزم تنفيذها لينقضي ميعاد المعارضة فيها، وقد زالت الآن بعد أن أصبح ميعاد المعارضة في القانون الجديد يبدأ في جميع الأحوال من تاريخ إعلان الحكم، فلم يعد هناك ما يدعو، طبقًا لأحكام القانون الجديد (م 465) لتنفيذ الحكم الغيابي حتى ينتهي ميعاد المعارضة فيه.
الأحكام الجائز تنفيذها
جواز تنفيذ الحكم مظهر من مظاهر قوته، ولما كانت الأحكام يختلف بعضها عن البعض الآخر من حيث قوتها باختلاف قابليتها للطعن فيها بمختلف طرق الطعن، فإن الأحكام ليست واحدة من حيث جواز تنفيذها، وتتلخص قواعد تنفيذ الأحكام في القواعد الآتية:
8 - القاعدة الأولى: الأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه، أي غير القابلة للطعن فيها بطرق الطعن العادية (المعارضة والاستئناف) يجوز تنفيذها، ولا يمنع من تنفيذها كونها قابلة للطعن فيها بطريق من طرق الطعن غير العادية، بل إن الطعن فيها بطريق من هذه الطرق لا يوقف تنفيذها.
فالطعن بطريق النقض في حكم لا يمنع المحكوم له من الشروع في التنفيذ إن لم يكن قد شرع فيه، ومن الاستمرار فيه إن كان قد ابتدأ في التنفيذ قبل رفع الطعن. وحكمة هذه القاعدة منع المحكوم عليهم بأحكام حائزة لقوة الشيء المحكوم فيه من أن يتخذوا من طرق الطعن غير العادية وسائل للمطل والتسويف.
والقاعدة المتقدمة مستفادة بمفهوم المخالفة من نص القانون في صدر المادة (465) منه على أنه (لا يجوز تنفيذ الأحكام جبرًا ما دام الطعن فيها بالمعارضة أو الاستئناف جائزًا............)، ومن نص القانون في المادتين (420)، (427) على أنه لا يترتب على رفع الالتماس أو الطعن بطريق النقض إيقاف تنفيذ الحكم.
وإنما يمنع من تنفيذ هذه الأحكام ويلغى ما يكون قد تم من التنفيذ، الحكم فعلاً بإلغائها من المحكمة التي طعن فيه أمامها بطريق من طرق الطعن غير العادية.
9 - حكم خاص بالطعن بالنقض: أورد المشرع في القانون الجديد تحفظًا على القاعدة المتقدمة بنصه في الفقرة الثانية من المادة (427) على أنه يجوز لمحكمة النقض أن تأمر بوقف التنفيذ مؤقتًا، ويشترط لهذا الإيقاف شرطان:
الأول: أن يطلب الطاعن ذلك في تقرير الطعن.
الثاني: أن يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه، وتقدير ذلك متروك للمحكمة ومثله الحكم بحل الشركة، أو بشطب رهن، أو بالطلاق، أو فسخ زواج أو بطلانه، أو بدفع مبلغ من النقود لشخص معسر.
ويحدد رئيس المحكمة بناءً على عريضة من الطاعن جلسة لنظر هذا الطلب يعلن بها الخصم الآخر وتبلغ للنيابة.
فإذا أمرت محكمة النقض بوقف تنفيذ الحكم مؤقتًا امتنع تنفيذه إن لم يكن قد شرع فيه، أو أوقف تنفيذه إن كان قد شرع فيه، إلى أن يفصل في موضوع الطعن. ونص القانون الجديد على سلطة محكمة النقض في الأمر بوقف تنفيذ الحكم مؤقتًا، إلى أن يفصل في الطعن، نص مستحدث لا نظير له في القانون القديم، وفكرته مأخوذة من الفقه الفرنسي فهو يحقق أمنية طالما تمنى الشراح الفرنسيون تحقيقها في تشريعهم [(9)] كما أن له نظيرًا في بعض التشريعات الأجنبية وعلى الأخص القانون التركي [(10)].
10 - القاعدة الثانية: هذه القاعدة خاصة بالأحكام غير الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه أي القابلة للطعن فيها بطرق الطعن العادية، وحكم تنفيذ هذه الأحكام يختلف في التشريعات بين مذهبين:
الأول: وكان مأخوذًا به في القانون المختلط يقضي بأن الأحكام غير الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه يجوز تنفيذها بالرغم من قابليتها للطعن فيها بالمعارضة أو بالاستئناف، وإنما يمنع من تنفيذها ويوقف ما تم من التنفيذ إن كان قد شرع فيه الطعن في هذه الأحكام فعلاً بالمعارضة أو بالاستئناف، وأساس هذا المذهب أن صلاحية الحكم للتنفيذ أثر يلحق الحكم بمجرد صدوره ولا يجوز تعطيل هذا الأثر لمجرد احتمال الطعن في الحكم، فإذا تحقق المانع بالطعن فعلاً فيه بطريق طعن عادي امتنع التنفيذ.
الثاني: وكان مأخوذًا به في القانون الأهلي يقضي بأن الأحكام غير الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه لا يجوز تنفيذها ما بقيت قابلة للطعن فيها بطريق طعن عادي، وإنما يجوز تنفيذها بعد فوات مواعيد الطعن بهذين الطريقين أو بعد الفصل فيهما إن كانا قد رفعا.
وإنما استثنى القانون الأهلي من القاعدة المتقدمة الأحكام الغيابية الصادرة من محاكم الدرجة الأولى فأجاز تنفيذها بالرغم من قابليتها للطعن فيها بالمعارضة، لا لأنها أقوى من الأحكام الحضورية ولا لأن حجيتها أكثر استقرارًا، ولكن لأن ميعاد المعارضة فيها يتوقف على التنفيذ، فأراد المشرع الأهلي أن يعمل على تنفيذها لكي يعارض فيها المحكوم عليه إن كان للمعارضة وجه على تقدير أن التنفيذ أضمن في إفادة علم المحكوم عليه بالحكم الغيابي الصادر عليه، من مجرد الإعلان.
وأساس هذا المذهب أنه لا محل لتنفيذ حكم لا تزال حجيته قلقة، وأن الصلاحية للتنفيذ لا تكون إلا للأحكام التي بلغت حجيتها درجة من الاستقرار، إما لفوات مواعيد الطعن فيها بالمعارضة والاستئناف، وإما لتأييدها بعد الطعن فيها بهذين الطريقين.
11 - أخذ المشرع في القانون الجديد بقاعدة القانون الأهلي فنص في المادة (465) منه على أنه لا يجوز تنفيذ الأحكام جبرًا ما دام الطعن فيها بالمعارضة أو الاستئناف جائزًا، وحسنًا فعل المشرع بالنص المتقدم لأن جواز تنفيذ الحكم غير الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه، وتعليق وقف تنفيذه على الطعن فيه فعلاً بالمعارضة أو الاستئناف، من شأنه حمل المحكوم عليه على التعجل في الطعن في الحكم درء للتنفيذ عليه فلا يستفيد من مواعيد الطعن المقررة له، كما أن هذا النظام يحمي المحكوم عليه من عنت المحكوم له بمبادرته إلى تنفيذ حكم لما تستقر حجيته.
ولم يعد هناك محل لأن يستثني المشرع في القانون الجديد من القاعدة المتقدمة، الأحكام الغيابية الصادرة من محاكم الدرجة الأولى (كما فعل القانون الأهلي) لزوال السبب الذي دعا إلى هذا الاستثناء في القانون الأهلي، فلم يعد ميعاد المعارضة في هذه الأحكام معلقًا على التنفيذ، وإنما أصبح يبدأ من تاريخ إعلانها. فقاعدة عدم جواز تنفيذ الأحكام غير الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه تطبق على هذه الأحكام بجميع أنواعها حضورية، أو غيابية سواء كانت صادرة من محاكم الدرجة الأولى أو من محاكم الدرجة الثانية.
إذا كانت الأحكام غير الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه لا يجوز تنفيذها جبرًا، فلا يمنع ذلك من جواز اتخاذ إجراءات تحفظية بمقتضاها، كتوقيع حجز ما للمدين لدى الغير.
12 - القاعدة الثالثة: يُستثنى من القاعدة المتقدمة، (قاعدة عدم جواز تنفيذ الأحكام غير الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه) الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل، فهي جائزة النفاذ بالرغم من قابليتها للطعن فيها بالمعارضة أو بالاستئناف، وبالرغم من الطعن فيها فعلاً بهذين الطريقين (م 465).
النفاذ المعجل
13 - النفاذ المعجل تنفيذ استثناء من القواعد العامة في تنفيذ الأحكام، فهو تنفيذ للحكم بالرغم من أنه قابل للطعن فيه بالمعارضة أو بالاستئناف وبالرغم من الطعن فيه فعلاً بهذين الطريقين، ولهذا لا يجوز الحكم به في غير الحالات التي نص عليها القانون.
14 - النفاذ المعجل نفاذ مؤقت: يوصف هذا النوع من التنفيذ، تمييزًا له عن التنفيذ طبقًا للقواعد العامة، بأنه تنفيذ مؤقت، لأن صحته متوقفة على نتيجة الطعن في الحكم بالمعارضة أو بالاستئناف فإن تأيد الحكم ثبت ما تم من تنفيذ مؤقت، وإن ألغي الحكم ألغي ما تم بمقتضاه من تنفيذ مؤقت. كما يوصف أيضًا بأنه تنفيذ معجل لأنه يحصل قبل الأوان الطبيعي لتنفيذ الأحكام، فالأوان الطبيعي لتنفيذها يكون عند صيرورتها حائزة لقوة الشيء المحكوم فيه.
15 - الغرض من النفاذ المعجل: النفاذ المعجل نظام قصد به التوفيق بين مصلحة المحكوم له في جواز تنفيذ الحكم الصادر له دون تربص حتى يصبح حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه، وبين مصلحة المحكوم عليه في ألا ينفذ عليه من الأحكام إلا ما أصبح حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه، ولهذا فإن حالات النفاذ المعجل تزيد عادةً في التشريعات التي تمنع تنفيذ الحكم ما بقي غير حائز لقوة الشيء المحكوم فيه، وتقل في التشريعات التي تبيح تنفيذ الحكم بالرغم من قابليته للطعن فيه بالمعارضة والاستئناف. وقد ساير التشريع الجديد هذه السنة فهو، وقد أخذ بقاعدة عدم جواز تنفيذ الحكم ما دام قابلاً للطعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف، تراه وسع في حالات النفاذ المعجل.
16 - دواعي النفاذ المعجل: إذا كان النفاذ المعجل استثناء من القواعد العامة في تنفيذ الأحكام، فقد دعا المشرع إلى الخروج عن هذه القواعد العامة دواع تختلف باختلاف حالاته وأهمها [(11)]:
1/ أن يرجح احتمال تأييد الحكم إذا طعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف إما لأن سند المحكوم له قوي كالحكم الصادر بناءً على سند رسمي (م 468/ 2) وإما لضعف مركز المحكوم عليه الظاهر كالحكم الصادر في غيبة المعارض بتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه (م 466 - 2).
2/ أن يكون الحكم صادرًا في حالة من الحالات التي يقتضي تحقيق الغرض منه أن يعجل بتنفيذه، كالحكم الصادر في مادة من المواد المستعجلة (م 466/ 1) والحكم الصادر بإجراء إصلاحات عاجلة (م 469/ 3).
3/ أن يكون المحكوم له من طوائف الأشخاص الذين رعاهم المشرع رعايةً خاصة، كحائز العقار (م 470/ 2)، وكالخدم والصناع والعمال والمستخدمين بالنسبة للأحكام الصادرة بأداء أجورهم ومرتباتهم (م 649/ 5).
4/ تمكين المحكوم له بسند جائز تنفيذه من الاستمرار في التنفيذ، كالحكم لمصلحة طالب التنفيذ في منازعة متعلقة بالتنفيذ (م 470/ 3).
17 - أنواع النفاذ المعجل: تنقسم حالات النفاذ المعجل من حيث المصدر المباشر الذي يستمد منه الحكم قوته في التنفيذ إلى قسمين كبيرين:
1/ حالات النفاذ المعجل بقوة القانون (l’exécution provisoire légale).
2/ حالات النفاذ المعجل بحكم المحكمة (judiciaire).
18 - النفاذ المعجل بقوة القانون: لا يقصد بذلك أن هذه الحالات نص عليها القانون، فكل حالات النفاذ المعجل نص عليها القانون، وإنما يقصد بذلك أن الحكم في هذه الحالات يستمد قوته التنفيذية من نص القانون مباشرةً دون تدخل من القاضي ولذلك يلزم أن تصرح المحكمة بالنفاذ في هذه الحالات، فالحكم الصادر في حالة منها جائز تنفيذه تنفيذًا معجلاً، ولو لم تأمر المحكمة بالنفاذ في حكمها. وينبني على ذلك أن لا حاجة بالمحكوم له لأن يطلب من المحكمة شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
19 - النفاذ المعجل بحكم المحكمة: يستمد الحكم قوته التنفيذية في هذه الحالات من أمر المحكمة في حكمها بالنفاذ المعجل، فإذا لم تصرح المحكمة في هذه الحالات بالنفاذ المعجل في حكمها امتنع تنفيذه تنفيذًا مؤقتًا، وينبني على ذلك أنه يجب لشمول الحكم بالنفاذ المعجل أن يطلبه المحكوم له وإلا امتنع على المحكمة أن تحكم به، إذ الأصل أن القاضي لا يحكم بشيء لم يطلب الخصوم منه الحكم به.
وتنقسم حالات النفاذ المعجل بحكم المحكمة بدورها إلى قسمين:
20 – ( أ ) حالات النفاذ المعجل بحكم المحكمة وجوبًا: في هذه الحالات إذا طلب المحكوم له النفاذ المعجل وجب على المحكمة أن تجيبه إلى طلبه بتصريحها بالنفاذ المعجل في حكمها، فإن رفضت النفاذ صراحةً، أو سهت عنه، كانت مخطئة خطأ قانونيًا، إذ القانون يوجب عليها الأمر النفاذ في هذه الحالات متى طلبه المحكوم له، ولكن لا يمنع ذلك من أن الحكم في هذه الحالة لا يكون جائزًا تنفيذه تنفيذًا معجلاً.
21 - (ب) النفاذ المعجل بحكم المحكمة جوازًا: في هذه الحالات إذا طلب المحكوم له الحكم بالنفاذ كان للمحكمة أن تجيبه إلى طلبه، أو ترفضه، بحسب تقديرها لظروف كل دعوى، فإن أجابت المحكمة طلب النفاذ المعجل، أو رفضته لم تكن مخطئة خطأ قانونيًا لأنها إنما استعملت سلطتها التقديرية التي خولها إياها القانون [(12)].
22 - وواضح أن اختلاف حكم حالات النفاذ المعجل بقوة القانون عن حكم حالات النفاذ المعجل بحكم المحكمة جوازًا، يرجع إلى أن عناية المشرع بتنفيذ الحكم في الأولى أشد من عنايته بتنفيذه في الثانية، ففي الأولى ليس للمحكمة أية سلطة تقديرية تتدخل بها لإجراء التنفيذ أو لمنعه، بينما يتوقف النفاذ في الثانية على أمر المحكمة ولها في ذلك سلطة تقديرية كاملة. ولكن اختلاف حكم حالات النفاذ المعجل بقوة القانون عن حكم حالات النفاذ المعجل بحكم المحكمة وجوبًا، لا يرجع إلى شيء من ذلك، فليس للمحكمة في كل من نوعي النفاذ سابقي الذكر سلطة تقديرية، وإنما يرجع الاختلاف في الحكم إلى أن حالات النفاذ بقوة القانون حالات ظاهرة بنفسها لا تحتاج إلى تدخل المحكمة للتحقق منها ويسهل على من يطلب منه تنفيذ الحكم في حالة منها أن يتبينها بمجرد الاطلاع عليه، أما حالات النفاذ بحكم المحكمة وجوبًا فهي حالات غير ظاهرة بنفسها ولها شروط وصور دقيقة فلم يكن بد من استلزام تدخل المحكمة للتحقق من توفر شروطها، وصورها، فالحكم الصادر في مادة من المواد المستعجلة، وهو واجب النفاذ بقوة القانون، يسهل على من يطلب منه تنفيذه أن يتبين أنه صادر في مادة مستعجلة، أما الحكم الصادر بإخراج المستأجر الذي انتهى عقده أو فسخ، فقد جعل المشرع النفاذ فيه بحكم المحكمة وجوبًا لتتحقق المحكمة من أن العقد الذي يحوز به المحكوم عليه العقار المؤجر هو عقد إيجار، وأنه قد انتهى أو فسخ
توقيع : mr mohamed zakaria |
|